علم القراءات

الحمد لله رب العالمين يهب من يشاء ما يشاء، والصلوات والسلام على الهادي الأمين القائل: “إن لله أهلين من الناس، فقيل من أهل الله منهم؟ قال: أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته”. فنحمده سبحانه أن تفضل علينا بنعمة القرآن.
نسعى في هذا البحث المتواضع إلى شرح بعض المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بعلم القراءات لأجل تبسيطه وتيسيره لطالب هذا العلم الشريف.
محاور البحـــث
– علم القراءات: تعريفه – موضوعه – استمداده – فائدته – غايته.
– نشأة القراءات.
– صلة القراءات السبع بالأحرف السبعة.
– بيان أن القراءة سنة متبعة.
– أنواع القراءات.
– اختلاف القراءات وأسبابه.
– فائدة اختلاف القراءات.
– مصطلحات في علم القراءات.
– أسماء القراء السبعة ورموزهم الفردية كما في الشاطبية.
– أسماء القراء الثلاثة المتمة للعشر ورموزهم الفردية كما في الدرة.
– رموز الراء الجماعية.
علـم القـراءات
تعريفــــــــــــه: علم القراءات: علم نعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله تعالى واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال وغيره من حيث السماع (1).
وعرفه ابن الجزري رحمه الله بقوله: “علم بكيفية أداء كلمات القرآن، واختلافها بعزو الناقلة” (2).
موضوعــه: كلمات القرآن حيث يبحث فيه عن أحوالها؛ كالمد، والقصر، والنقل.
استمـداده: من السنة، والإجماع.
فائدتـه: صيانته من التحريف والتغيير. والقراءة حجة الفقهاء في الاستنباط مع ما فيه من تسهيل على الأمة.
غايتـــه: معرفة ما يقرأ به كل إمام من أئمة القراء.
نشـأة القـراءات وتطورها
أنزل القرآن على سبعة أحرف توسيعا وتخفيفا على العباد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أقرأ الصحابة بالقراءات كلها.
فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان عند أضاة (3) بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، فقال: “أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك”. ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على حرفين فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآنعلى ثلاثة أحرف فقال: “أسأل الله معافاته ومغفرته. وإن أمتي لا تطيق ذلك، “ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا” أخرجه مسلم في صحيحه.
ثم تفرق الصحابة أجمعين في الأمصار، فكان كل واحد منهم يقرئ أهل ذلك المصر بالقراءة التي تلقاها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
صلــة القــراءات السبع بالأحرف السبعـة
لقد توهم بعض الناس أن قراءات الأئمة السبعة هي الأحرف السبعة المذكورة في حديث: أنزل “القرآن على سبعة أحرف” زاعمين أن قراءة نافع حرف من الأحرف السبعة وهكذا باقي القراءات، وهذا بعيد عن الصواب ومخالف للإجماع وذلك لأمرين:
الأول: أن الأئمة السبعة لم يكونوا قد وجدوا على ظهر الدنيا إبان نزول الأحرف السبعة.
الثاني: أن الأحرف السبعة نزلت في أول الأمر للتيسير على الأمة ثم نسخ الكثير منها بالعرضة الأخيرة، مما حبا بالخليفة عثمان بن عفان إلى كتابة المصاحف التي بعث بها إلى الأمصار وأحرق ما عداها من المصاحف.
والصواب: أن قراءات الأئمة السبعة، بل العشرة، التي يقرأ الناس بها اليوم هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووردت بها الأحاديث النبوية الشريفة، وهي جميعها موافقة لخط مصحف من المصاحف العثمانية التي بعث بها الخليفة عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار.
بيان أن القراءة سنــة متبعـة
كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقد وجب قبوله، ولم يسع أحدا من الأمة ردها، ولزم الإيمان به، وأن كله منزل من عند الله تعالى، إذ كل قراءة منها من الأخرى بمنزلة الآية من الآية، يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا. ولا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن ذلك تعارض. وإلى ذلك أشار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله: “لا تختلفوا في القرآن ولا تتنازعوا فيه، فإنه لا يختلف ولا يتساقط، ألا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة، حدودها وقراءتها وأمر الله فيه واحد، ولو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء ينهى عنه الآخر كان ذلك الاختلاف ولكنه جامع ذلك كله؛ ومن قرأ على قراءة فلا يدعها رغبة عنها فإنه من كفر بحرف منه كفر به كله” النشر في القراءات العشر لابن الجزري.
آثار فــي وجـوب اتباع القـراءة
عن ابن عبد الله ابن مسعود عن علي قال: إن رسول الله يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم.
وعن عروة بن الزبير قال: إنما قراءة القرآن سنة من السنن فاقرؤوه كما أقرئتموه.
أنـواع القـراءات
أولا- المتواتـر: إن السبع متواترة اتفاقا، وكذا الثلاثة: أبو جعفر ويعقوب وخلف على الأصح بل هو الصحيح المختار.
ثانيا- الآحاد: هو ما صح نقله عن الآحاد، وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف، فهذا يقبل ولكن لا يقرأ به لعلتين: إحداهما: أنه لم يؤخذ بإجماع. والعلــة الثانيــــة: أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على مغيبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به.
ثالثا- الشـواذ: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية، فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف؛ كقراءة ابن السميفع وأبي السمال وغيرهما.
رابعـا- المدرجـة: وهي التي زيدت على وجه التفسير؛ كقراءة ابن سعد ابن أبي وقاص.
اختلاف القــراءات وأسبابـه
يرجع ذلك لعدة أمور منها:
– أن مرجع هذه القراءات المتعددة إلى السنة والاتباع لا للرأي والابتداع والهوى، لأن القراءة سنة متبعة، ومما يؤكد ذلك أن القراء يتفقون في بعض المواضع وقد يختلفون في بعض المواضع.
– أن الصحابة رضوان الله عليهم قد اختلف أخذهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمنهم من أخذ القرآن عنه بحرف واحد، ومنهم من أخذ عنه بحرفين.
– أن الخليفة عثمان رضي الله عنه حرص على أن يرسل مع كل مصحف صحابيا يعلم الناس القرآن.
ويتضح من كل هذا أن الاختلاف في القراءات ليس اختلاف تضاد أو تناقض لاستحالة وقوع ذلك في القرآن الكريم، ولكنه اختلاف تنوع وتغاير يصدق بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا، وذلك تبعا لما تلقاه الصحابة من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فائدة اختـلاف القـراءات
1 – التهوين والتسهيل والتخفيف على الأمة.
2 – كمال الإعجاز وغاية الاختصار وجمال الإيجار.
3 – بيان صدق الرسول، وأنه رسول رب العالمين، وأن هذا القرآن كلام الرحمن.
4 – سهولة حفظه وتيسير نقله على هذه الأمة.
5 – إعظام أجور هذه الأمة لتفريغهم الجهد في تعليم كتاب الله، وكذلك تتبع معاني القرآن، واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ.
6 – بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقي.
7 – إظهار ما اذخره الله من المنقبة العظيمة والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة الشريفة من إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السبب الإلهي بسببها خصيصة الله تعالى هذه الأمة المحمدية.
8 – إظهار سر الله تعالى في تولية حفظ كتابه العزيز وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز.
مصطلحـات فــي علم القـراءات
القـراءة: يراد بها الاختيار المنسوب لأحد الأئمة العشرة متصلا سنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الروايـة: يراد بها ما نسب للراوي عن الإمام.
الطــرق: ج. طريق وهو لمن أخذ عن الراوي.
الوجـه: ما كان يرجع إلى تخيير القارئ أن يأخذ بأي وجه من الوجوه الجائزة.
وهناك الكثير من المصطلحات:
· الخلاف الواجب – الخلاف الجائز
· الأصول
· الفرش
· التحريرات
· الفتح – الإمالة الكبرى – وأيضا يوجد التقليل
· السكت – السكون المحض
· الروم – الأشمام
· الاختلاس
· الإدغام الكبير والصغير وبأنواعه.
(1) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، للشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد الدمياطي ص 6.
(2) منجد المقرئين مرشد الطالبين، ابن الجزري، ص 49.
(3) أضاة: الأضاة الماء المستنقع وأضا مقصورة مثل قناة، كتاب لسان العرب.
المراجــع:
· أصول النيرات.
· الشرح الوافي.