شعبان بوابة رمضان

انقضى شهر رجب، وما زلنا نعيش أيام النفحات المباركة التي تبشر بقدوم سيد الشهور، شهر الحصاد، وبين يدي هذا القدوم يطل علينا شهر شعبان، شهر الأزهار؛ فيه يتشعب خير كثير وفيه نتدرب ونتأهل تربويا للدخول على شهر الأنوار ، شهر أحبه سيدنا محمد صلى الله عليهو سلم وخصه بكثرة الصيام، فيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان” (1). ومن العلماء من اعتبر صيام شعبان وشوال بمكانة الرواتب في الصلاة، فشعبان يستمد نوره من رمضان، وفي صيامه تمرين لصيام رمضان، حتى لا ندخل عليه على مشقة وكلفة، بل ندخل عليه بقوة ونشاط.
قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء. وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته، وتفرغ لقراءة القرآن. إذا فشعبان شهر الصيام والقرآن، وكذا شهر الصدقة والزكاة، فقد كان صالحو هذه الأمة يخرجون الزكاة في شعبان، حتى يشتري الفقراء ما يخصهم لشهر رمضان ويتفرغون فيه للعبادة.
عن أسامة بن زيد قال: كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصومُ الأيَّامَ يَسرُدُ حتى يُقالَ: لا يُفطِرُ، ويُفطِرُ الأيَّامَ حتى لا يَكادَ أنْ يَصومَ إلَّا يومَينِ مِن الجُمعةِ، إنْ [كانا] في صِيامِه، وإلَّا صامَهما، ولم يَكُنْ يَصومُ مِن شَهرٍ مِن الشُّهورِ ما يَصومُ مِن شَعبانَ، فقُلتُ: “يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ تَصومُ لا تَكادُ أنْ تُفطِرَ، وتُفطِرُ حتى لا تَكادَ أنْ تَصومَ، إلَّا يومَينِ، إنْ دَخَلا في صيامِكَ، وإلَّا صُمتَهما، قال: أيُّ يومَينِ؟ قال: قُلتُ: يومُ الاثنَينِ، ويومُ الخَميسِ، قال: ذانِكَ يومانِ تُعرَضُ فيهما الأعمالُ على ربِّ العالَمينَ، وأُحِبُّ أنْ يُعرَضَ عملي وأنا صائمٌ، قال: قُلتُ: ولم أرَكَ تَصومُ مِن شَهرٍ مِن الشُّهورِ ما تَصومُ مِن شَعبانَ، قال: ذاك شَهرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنه بيْنَ رَجَب ورَمضانَ، وهو شَهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالَمينَ، فأُحِبُّ أنْ يُرفَعَ عملي وأنا صائمٌ” (2).
قال الإمام بن رجب الحنبلي رحمه الله؛ في هذا الحديث فوائد:
– أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان؛ الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه.
– فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال رسول الله عليه و سلم: “يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن” (3)، فرفع الأعمال يكون على ثلاث درجات:
– رفع يومي؛ في صلاتي الصبح والعصر.
– رفع أسبوعي؛ وذلك يومي الإثنين والخميس.
– رفع سنوي؛ ويكون ليلة البراءة، ليلة النصف من شعبان.
إذا فليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة، يطلع الله فيها إلى خلقه برحمته ومغفرته وعفوه، والمحروم من حرم فضلها، وقد حددهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشرك والمشاحن، فلنحرص على صلة الأرحام وتصفية قلوبنا والعفو عمن ظلمنا وتجديد نياتنا، حتى لا تحبط أعمالنا ونكون من المغبونين.
فالله نسأل أن يشملنا برحمته ومغفرته وعفوه، وأن يتقبل أعمالنا ويوفقنا لإحياء سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
1- صحيح البخاري، رقم 1969.
2- حديث حسن، أخرجه النسائي (2358)، وأحمد (21753).
3-أخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (512)، وابن حبان (5665)، والطبراني (20/108) (215).
شعبان بوابة رمضان | طيبة الإدريسي القيطونيشعبان بوابة رمضان | طيبة الإدريسي القيطوني#شعبان#رمضان
Gepostet von نساء العدل والإحسان am Montag, 6. April 2020