تضحيات الأطر الطبية في زمن كورونا.. هل من معتبر؟

بعد مرور شهور قلائل من ظهور وباء فيروس كورونا المستجد، وما خلفه من خسائر فادحة أظهرتها الأرقام المخيفة في نسبة المصابين وكذلك نسبة الوفيات، اكتشف أكبر المختصين في العالم بأسره مدى خطورته وشراسته في تهديد حياة البشرية جمعاء، وخاصة مع تأخر إيجاد أي لقاح أو دواء مناسب.
وإذا كانت الدول العظمى التي تمتلك أنجع الوسائل اللوجيستيكية والبنيات التحتية الهائلة قد فقدت سيطرتها على هذا الكائن الغريب، فكيف سيكون مصيرنا نحن في هذا البلد الذي يعاني من أزمة خانقة على مختلف المستويات والأصعدة ولا سيما الصحية منها؟ إذ لا يخفى على المتتبعين المراتب المتدنية التي يحتلها القطاع الصحي في المغرب، فقد وضع تقرير أعده موقع “نومبيو” المتخصص في تصنيف الدول المغربَ في ذيل اللائحة ضمن 89 دولة شملها البحث حول مؤشر الرعاية الصحية.
ندرك جيدا أن محنة كورونا اليوم أظهرت الموقع الاستراتيجي لقطاع الصحة، وخاصة بعد دخولنا هذه المرحلة الحرجة، فلا نجد إلا رجالا ونساءً في الواجهة، بصدور عارية، حاملين أرواحهم في أكفهم خدمة لهذا الشعب. فهم حقا أبطال وجنود المرحلة بامتياز ويستحقون منا كل التقدير والاحترام.
في البداية لا ينبغي لأحد أن ينسى بأن هؤلاء الجنود قبل دخولهم ساحة المعركة علقوا كل أشكالهم النضالية من مظاهرات وإضرابات، طالما طالبوا من خلالها بحقوقهم المشروعة والعادلة، الشيء الذي كلفهم ثمنا باهضا في دولة لا تحترم حرية التعبير، وشوارع الرباط تبقى شاهدة على ذلك.
نعم، هؤلاء المستضعفون الذين كانوا بالأمس القريب يعانون من كل أنواع الظلم والحيف من طرف الوزارة الوصية أولا، ومن جهة المواطن ثانيا، والذي كان يحملهم تبعات الأوضاع الصحية في البلاد، هم الآن جنود مجندة وأبطال المعركة في صف الدفاع الأول، يضحون من أجل الوطن بكل تلقائية ونكران للذات، رغم قلة العدد والعدة، مما يجعل حياتهم وحياة أهاليهم معرضة لخطر كبير، وأول هذه التضحيات تمثلت في فقدان ثلاث شهداء من خيرة أطباء هذا البلد، فضلا عن العدد الكبير من الممرضين والأطباء الذين أصيبوا بهذا الداء جراء ارتباطهم ارتباطا لصيقا بالمرضى. ناهيك عن الضغوط النفسية والجسدية الناجمة عن فراقهم لأحبابهم مسترخصين حياتهم فداء للوطن، ونخص بالذكر منهم الأمهات ذوات القلب الحنون والمشاعر الرقيقة فمعاناتهن أشد، وهن بين المطرقة والسندان، مطرقة الاستجابة لنداء الإنسانية وبذل الجهد في إنقاذ الأرواح، وسندان الأسرة والأبناء الذين لا تحلوا لهم الحياة إلا في حضنها، وتتضاعف المعاناة عندما يتحتم على الأم مفارقة أبنائها طويلا خوفا عليهم من العدوى.
وفي السياق نفسه نجد فئة الحوامل والمرضعات اللواتي يواجهن تحديات وضغوطات من نوع آخر، تتجلى في عدم معرفتهن بمدى تأثير هذا الفيروس على أطفالهن، واحتمال انتقاله عبر حليب الأم أو من الأم إلى جنينها، لذلك لجأت العديد من الأطر الصحية النسائية إلى فطم أولادهن قبل استكمال أمد الرضاعة الطبيعية.
أما إذا انتقلنا إلى العالم القروي فنجد الوضع أشد قتامة، لا من حيث وسائل النقل المنعدمة في غياب أي التفات من المسؤولين من أجل تخفيف هذه المعاناة، ولا من حيث البنية التحتية الهشة التي تفتقر إلى أبسط وسائل الحماية والحصانة.
أمام هذا الوضع المزري من جهة وأمام هذا الجهد المبذول من جهة أخرى لا يسعنا إلا أن نرفع تحايا الإجلال والإكبار إلى تلك العيون الساهرة المتيقظة ليل نهار، كما لا يفوتنا أن ننبه أن هذا الفيروس قد أبرز لنا أهمية هذا القطاع الحيوي وكشف عن جوهر ومعدن هذه الفئة، فرد الاعتبار لها لا يكفي بالخطابات والكلمات الرنانة وإنما ينبغي للمسؤولين إعادة النظر في طريقة تدبيرهم لهذا القطاع وإعادة النظر في الأولويات والاهتمامات في سياساتهم العمومية، وبالاهتمام والدعم والتمويل اللازم والمناسب لهذا القطاع، بأشكال تخفف على الناس آلامهم وتحقق للأطر الصحية أمنهم وآمالهم.