الصبر على الابتلاء

مدخل
لكم ينتاب المؤمنَ شعورٌ بالراحة والاطمئنان عند كل ابتلاء لما يستمع لقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) (سورة البقرة).
فتُبعث الهمم من جديد ويقرب باب الوصول:
دَرْبُ الجِهَادِ طَوِيلٌ ** وَمَا إِلَيْهِ سَبِيلُ
إِلاَّ بِصَبْرٍ طَوِيلٍ ** مُعَانِدٍ لاَ يَزُولُ
فَإِنْ صَبَرْتَ طَوِيلا ** فَعِندَ ذَاكَ تَصُولُ (1)
…………………….
فلتكن خَيْرَ صابرٍ ثابِتِ الخَطْ ** ووَئيداً إنْ رُمْتَ أمراً فَعَلْتَه (2)
…………………….
ويتحقق الفوز والنجاح عند الإمام علي رضي الإله عنه، إذا ما تم استصحاب الصبر:
اصبِر عَلى مَضَضِ الإِدلاجِ في السَّحَرِ ** وَفي الرَّواحِ إِلى الحاجاتِ وَالبُكرِ
لا تَضجَرَنَّ وَلا يَحزُنكَ مَطلَبُها ** فَالنّجحُ يَتلَفُ بَينَ العَجزِ والضَّجَرِ
إِنّي رَأَيتُ وَفي الأَيّامِ تَجرِبَةٌ ** لِلصَّبرِ عاقِبَةٌ مَحمودَةُ الأَثَرِ
وَقَلَّ مَن جَدَّ في أَمرٍ يُطالِبُهُ ** وَاِستَصحَبَ الصَّبرَ إِلّا فازَ بِالظَّفَرِ
ويتحول اليأس والأسى إلى الرضى والتفاؤل والأمل، وهنا تحضرني أبيات رائعة في الموضوع للإمام الشافعي رحمه الله حيث يقول:
وَما كُنتُ راضٍ مِن زَماني بِما تَرى ** وَلَكِنَّني راضٍ بِما حَكَمَ الدَهرُ
فَإِن كانَت الأَيّامُ خانَت عُهودَنا ** فَإِنّي بِها راضٍ وَلَكِنَّها قَهرُ
…………………….
مِحَنُ الزَمانِ كَثيرَةٌ لا تَنقَضي ** وَسُرورُهُ يَأتيكَ كالأَعيادِ
مَلَكَ الأَكابِرَ فَاِستَرَقَّ رِقابَهُم ** وَتَراهُ رِقّاً في يَدِ الأَوغادِ
…………………….
إِذا أَصبَحتُ عِندي قوتُ يَومي ** فَخَلِّ الهَمَّ عَنّي يا سَعيدُ
وَلا تَخطُر هُمومَ غَدٍ بِبالي ** فَإِنَّ غَداً لَهُ رِزقٌ جَديدُ
أُسَلِّمُ إِن أَرادَ اللَهُ أَمراً ** فَأَترُكُ ما أُريدُ لِما يُريدُ
وما لإرادتي وجه إذا ما ** أراد اللهُ لي ما لا يريد
…………………….
صَبْراً جَمِيلاً ما أقربَ الفَرَجَا ** من رَاقَبَ اللَّهَ فِي الأمورِ نَجَا
منْ صدق الله لم ينلهُ أذى ** ومن رجَاهُ يكونُ حيثُ رَجَا
…………………….
سَيُفْتَحُ بَابٌ إِذَا سُدَّ بَابُ * نَعَمْ، وَتهُونُ الأُمُورُ الصِّعَابُ
وَيتَّسِعُ الحَالُ مِنْ بَعْدِ مَا * تَضِيقُ المَذَاهِبُ فِيهَا الرِّحَابُ
مَعَ الهَمِّ يُسْرَانِ هَوِّنْ عَلَيْكَ * فَلاَ الْهَمُّ يُجْدِي، وَلاَ الاكْتِئَابُ
فَكَمْ ضِقْتَ ذَرْعاً بِمَا هِبْتَهُ * فَلَمْ يُرَ مِنْ ذَاكَ قَدْرٌ يُهَابُ
وَكَمْ بَرَدٍ خِفْتَهُ مِنْ سَحَابٍ * فَعُوفِيت، وَانْجَابَ عَنْكَ السَّحَابُ
وَرِزْقٍ أَتَاكَ وَلَمْ تَأْتِهِ * وَلاَ أَرَّقَ العَيْنَ مِنْهُ الطِّلابُ
وَنَاءٍ عَنِ الأَهْلِ ذي غربة ** أتيح له بعد يأس غياب
وناج من البحر مِنْ بَعْدِ مَا * عَلاهُ مِنَ المَوْجِ طَامٍ عُبَابُ
إِذَا احْتَجَبَ النَّاسُ عَنْ سَائِلٍ * فَمَا دُونَ سَائِلِ رَبِّي حِجَابُ
يَعُودُ بِفَضْلٍ عَلَى مَنْ رَجَاهُ * وَرَاجِيهِ فِي كُلِّ حِينٍ يُجَابُ
فَلاَ تَأْسَ يَوْماً عَلَى فَائِتٍ * وَعِنْدَكَ مِنْهُ رِضَىّ وَاحْتِسَابُ
…………………….
أَتَهزَأُ بِالدُعاءِ وَتَزدَريهِ ** وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ
سِهامُ اللَيلِ لا تُخطِي وَلَكِن ** لَها أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ اِنقِضاءُ
فما المقصود بالصبر على الابتلاء؟
وما هي صور الصبر على الابتلاء؟
وما أثره على حياة الفرد والمجتمع؟
هذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى.
– يتبع –
(1) عبد السلام ياسين، ديوان “شذرات”، ص 67.
(2) عبد السلام ياسين، المنظومة الوعظية، ص 67.