من فيض الخاطر.. ساعة كرونا تنبهني

وسط زحام أحداث اليوم، تجدني أصارع الأشغال علَني أنهي منها جزءا مع حلول المساء، أترك هذا العمل وأرجئ الآخر، في انتظار فرصة سانحة لإنجازه، كم رجوت أن تتمدد بعض الأيام لأتمكن من تحقيق كل الأماني والأحلام، حتى غدا حديث الساعة وبركة الوقت على كل لسان. الكل تتقاذفه أمواج الحياة العاتية فتُصَبِّحه في شاطئ وتمسيه في آخر، بعيدا عن شعاع الضوء الذي نرجو أن ترسو قربه سفينة الأمان، فقد ضاعت منا البوصلة، ورويدا رويدا استسلمنا لرتابة الأيام، وتطبعنا بطابع التأخير والتأجيل، لأننا لم نصمم خريطة للقيادة؛ فسلبت منا الإرادة.
كم وقتا ثمينا فرطت فيه! وكم من رابطة قوية وآصرة محكمة ضعفت وتلاشت! كم وكم من مهمات غفلت عنها! وكم من عزائم تخليت عنها! حتى أوشك اليأس أن يتسلل إلى قلبي العليل، وينفض عني الرجاء في الأخذ بزمام النفس والإمساك بتلابيبها… وفجأة توقف هذا الوقت الذي كنت أصارعه فيغلبني كل مرة، فها هو يقف صاغرا ذليلا أمام قدر الله، يا سبحان الله! لقد أبطأ الوباء عقارب الساعة، وجعلها تترجل قليلا عن مطيتها، وتترك لي المساحة لإعادة استلام القيادة، إنها كورونا! نعم هذا الوباء الفتاك الذي أفزع العالم، حكم علينا بالتوقف عن الحركة، وحكم على الساعة أن تصبح مطيعة، كم يلزمني من الوقت لأستوعب الأمر؟ لأعيد ترتيب الأولويات، ولأصحح ما فات؟ ساعة كورونا الرتيبة تنبهني، وتقول: هب أن الزمن توقف، بل هب أن الحياة اعتذرت وقالت: عذرا سيدتي؛ انتهت مهمتي، فأنت الآن في ساعة الفصل والحساب؟!
صوت عميق بداخلي ينبهني، يوقظ فيَّ روحي التي ما فتئت تنتظر من يروي ظمأها؛ فقد أخذت النفس النهمة نصيبها ولم تترك لها إلا قليلا.
دون سابق إنذار جاءت ساعة كورونا، قدر من أقدار الله، جاءت لتوقظني من غفلتي، لتذكرني بقضيتي، بمصيري، بهمّ لقاء ربي. دون سابق إنذار توقفت ساعتي، لتنبهني كورونا، فأبحث حولي عن أولادي وأهلي، وأفتش في قلوبهم لعلي أجد ما يوحد وجهتنا، ما يقوي رباطنا ورابطتنا، ما به ننجو جميعا في دنيانا وأخرانا. الوجهة الله، والمقصود بابه، نطرقه جميعا علّنا نحظى بالقبول، فيتوب علينا.
ساعة كورونا، منبه أيقظني من غفلتي، لأعيد حساباتي، ساعة جاءت لتنذرني، لآخذ من وقتي حظا للآخرة، وتكون لها الصدارة، لأملك إرادة التغيير والتوبة، والرجوع والأوبة، لأثبت وأولادي وأهلي على أسس الاستقامة، تحسبا ليوم الحسرة والندامة.
والرجاء أن يرفع المولى عنا البلاء، ويتوب علينا، ويغفر لنا.