قصة امرأة.. من الانكسار إلى الانتصار

نظرت بعين الحزن متدبرة في مشهد بعيد تداعب آهاته وانكساراته فؤادا أعيته الخطوب، تتمايل في مخيلتها صور ظلم قائم وتربة قاتمة ووأد وغمط للحقوق… تتراءى لها قامات طويلة عريضة، وأجساد كأنها الخشب الحطب، وقلوب أقسى من الحجر…
تطفو صورة أخرى في مخيلتها الكليلة، ومن طبع الصور والأفكار التزاحم لتدمي قلبا أثخنته جراحات السنين، صورة فتاة في عنفوان النضارة والجمال تُجر جرا لتوارى التراب، وهي تصرخ واكرباه على إنسان يقتل أخاه الإنسان!
تتراقص الصور والأفكار تترى وترميها إلى زمن مجيد، نادى فيه منادي بر وخير أن أكرموا النساء، أن ارفقوا بهن، إنهن الخير كله، ولادتهن يسر وبشارة، وتحت أقدام الأمهات منهن النعيم، ومن ولدت له التنثان والثلاثة كن له من النار حجابا ووجاء.
تبسمت ابتسامة أشرق لها وجهها الشاحب، وامتلأ عزما، وقررت أن لا تخلف الموعد مع شامات ذلك الزمان الطاهر الزاهر، اللواتي وعَيْن الرسالة وفهمن المقصود، فتميزن عن سائر الأجيال في الحال والمقال، في المخبر والمظهر.
فتشت في عمق الدائرة المملوءة من أحداث تاريخ مضى أهله، لكن فعالهم قائمة تشهد على الحسن والقبيح من الخصال. تذكرت كيف حصل الانكسار بعد سؤدد وانتصار، فأغلق السجان الباب على السجينة المسكينة حين اعتقد زورا أنها سبب ما ألم بالأمة من أكدار، فعادت وتوارت في الحجاب… إلا من قينة تطرب قصر ذي الجاه، أو غانية يتلهى بها ذو فجور…
واكمدا عليك أيتها الغالية! وكأنك المشجب تعلق عليه رزايا الحقب، وخطايا المذنبين…
قفزت صورة اضطهاد وعنف وسلاح ودمار إلى ذاكرة تستهويها التأملات، مُعمّر غاشم اكتسح بلاد المسلمين، واغتصب أرض العروبة واستولى على الخيرات، استنزف البلاد وأذل العباد، قتل وشرد، وغادر مخلفا أذنابه يعيثون فيها فسادا، وذراريه يخدمونه عن بعد بيد الخيانة ومعول النذالة… نلت نصيبك أيتها الغالية تفقيرا واستلابا، تدنيسا وانتحابا… لك الله.
لملمتِ بقايا نفس وقمت عازمة على الانخراط في البناء، تتهددك الملمات هنا وهناك، وبصلابة تقاومين، أرادوك آلة للجنس وألعوبة لرفع عائدات استثمارهم البائس، أرادوا أن يسربلوك بما بك لا يليق، أرادوا أن يعرّوك من المكارم وهي لك زينة، قاومت الخطوب ولا تزالين.
نقرتِ بأصبعك الدامي بخفة تبحثين عن خبر أنت شاهدتُه ويغفل عن تقصيه إعلام مأجور، توالت الواردات بصور حية هذه المرة من واقع دام أليم، امرأة شماء شوه منها الوجه، وأخرى فقدت الجنين، وثالثة تلتحف السماء منتظرة فرجا قريبا في معركة الرزق والمطالب العادلة، أبت أن تُستأجر كما يستأجر الخادم ليلقي به سيده اللئيم متى استوفى منه أو أراد استبداله. تخوضين معركة التعاقد في ربوع وطن ما عاد مشرقا للأنوار، وإن كان لا يزال منبتا للأحرار وأنت ومن معك وغيركم الدليل، تقودينها بصلابة خولة ونسيبة وصفية… وغيرهن من نساء ذلك الزمن الجميل، تقودينها مع أخيك الرجل، لا تراجع حتى انتزاع الحق المرغوب، واسترجاع الوطن المسلوب.
كتبتِ من أرض النزال كلمة ستبقى خالدة متى تَدافَع حق وباطل: إن غدا لناظره لقريب، غدا نحتفي بالنصر التليد، والفجر الجديد، يدا بيد… مؤمنين بالحق، راغبين في التغيير، حبا في وطن يتعاضد فيه الرجال والنساء طمعا في الأفضل.