قراءة في الأمثال الشعبية (1): “ما تبدل غ بما كرف”

لا جرم أن الأمثال الشعبية موروث ثقافي غني يحمل من المعاني والحكم الشيء الكثير، لكن، هل كل شيء من عهد الأجداد صحيح لا يحتمل الخطأ والتصويب؟
سنختار في السلسلة التي بين أيدينا مراجعة مجموعة من المقولات الشعبية التي تستعمل بشكل كبير في تعاملاتنا اليومية. وسنقف في هذه الحلقة مع المثال “ما تبدل غ بما كرف”.
هو مثل مغربي لطالما استعملناه في عدة مواقف، لكن بالوقوف على معانيه ومجالات استعماله نجده يحمل في طياته كثيرا من الانهزامية والخمول.
قد يكون أسلافنا أرادوا به حث الناس على القناعة والرضا والصبر، وهي بالتأكيد قيم حميدة لا بد أن يتحلى بها المؤمن في حياته امتثالا لأوامر ربه سبحانه وتعالى، وإذعانا لقدره، بما يمنح الفرد القدرة على متابعة حياته ومجابهة ما يعترضه فيها من عقبات. لكن باطنه دعوة للتشبث بالأشياء والظروف حتى وإن كان فيها ضرر على الإنسان، وهو ما نستنبطه من حيثيات استعماله.
“ما تبدل غ بما كرف” حاجز نفسي أمام كل تغيير حميد، ربما ثبط عزم كثيرين عن الوقوف في وجه ما يؤلمهم وينغص عيشهم، والبحث عن الأفضل.
وإن ديننا الحنيف كما يحث على الصبر والرضا، لا يرضى بالظلم والذل، ويحث على التغيير، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.
ليس المنكر كل ما يجده المرء من مظاهر فاسدة في المجتمع، بل هو كذلك كل وضعية يحتمل فيها المؤمن ما لا يطيقه ويلتزم الصمت ويلوذ بالاستكانة ليكون من الصابرين، ما كان هذا صبرا ولن يكون، فالله يحب عباده، ولا يرضى الظلم لهم، لذلك سيجت الشريعة العلاقات بين الناس بأحكام تضمن مصالحهم في العاجل والآجل؛ عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) حديث حسن، ما يؤكد أن الدين الإسلامي لا يكلف الإنسان ما لا يطيق، من جهة، ومن جهة ثانية؛ فهو ينهى المؤمنين عن إحداث الضرر لبعضهم.
ويعتبر الحديث أصلا عظيما من أصول الدين، إذ أن التزام الناس بصيانة حقوق غيرهم وعدم الإضرار بها كفيل بسيادة جو من الاحترام المتبادل الذي يكفل للناس العيش بعيدا عن المنازعات والظلم.
كما أن أحكام الشريعة تدور حول جلب المنافع ودرء المفاسد، سواء على مستوى العلاقات بين الأفراد؛ إن في الأسرة أو العمل أو الجيرة.. أو على مستوى المجتمع والأمة، وهذا فيه قول كثير للعلماء يرجع إليه.
من هذا المنطلق يظهر أن هذا المثل يحتاج إلى إعادة نظر، مثله مثل كثير من الشوائب في ثقافتنا المغربية، فالإنسان السائر في حياته يحتاج باستمرار إلى البحث عن الأفضل، فإن هو سعى للأمر سعيه، وأحاطه بما يحتاج من أسباب النجاح؛ من توكل على الله تعالى ودعاء واستخارة واستشارة أهل العلم والتخصص وعمل دؤوب لبلوغ الهدف، آنذاك نستطيع أن نبدل صيغة المثل إلى “ما تبدل غ بما أحسن”؛ مثل مليء بالتفاؤل والطاقة الإيجابية، يشجع كل ساع للتغيير الإيجابي نحو حياة ومجتمع أفضل.
فلنجعلها حملة لنشر الإيجابية بين الناس جميعا وفي صفوف الشباب خاصة، ومساعدتهم للمضي قدما في بناء مستقبلهم دون حواجز نفسية ترعبهم من اتخاذ الخطوات المناسبة في الوقت الحاسم.
والتغيير ليس بالأمر الهين، والعمل به يحتاج دراسة مسبقة معمقة وخطة محكمة ثم تحملا لمسؤولية تبعاته، فالقصد إذن ليس تشجيع الشباب على التهور والمجازفة، وإنما تحفيزهم للأخذ بزمام الأمور دون الخوف من محتمل قد لا يحدث.
لم يفت الأوان أبدا، فكل يوم هو فرصة جديدة لتقييم وضعيتنا وتصحيح مسارنا. فلنبدأ من جديد، ولنتعلم من أخطائنا، ولنسع للأمام، راجين الخير لنا ولأمتنا، ننل مرادنا.