غلق معبر سبتة.. هل يحل أزمة مدينة الفنيدق أم يعمقها؟

يصعب الحديث عن الأوضاع في مدينة الفنيدق، يصعب أن تصف وضعا ممتدا ومتشعبا تتداخل فيه المحاور وتتشابك التفرعات. فالحديث عن الوضعية الاقتصادية للمدينة يأخذك سريعا إلى أحاديث أخرى ذات صلة لا بد لها أن تراعى ولا بد لها أن تناقش. ذلك لأن الارتباط بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي وثيق وممتد، بل قل إنهما وجهان لعملة واحدة.
لا يخفى على ذي عقل ونظر ما آلت إليه الأوضاع مؤخرا في هذه المدينة الجميلة، التي توجد، في تقاطع أرزاق وأقدار، على الحدود مع السليبة سبتة، ليشكل معبرها الحدودي مورد رزق لأغلبية سكانها، إذا ما استثنينا أصحاب المشاريع الكبرى والموظفين في قطاعات عمومية أو خصوصية.
هذا المعبر الذي أريد له، في رؤية أحادية ناقصة، أن يغلق دون أدنى اعتبار أو استماع لرأي الساكنة وتطلعاتهم، ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي أسفرت عن الوجه القبيح لسياسة اقتصادية لا تربط الراهن بالمستقبل، ولا تتخذ أسباب النجاح قبل اتخاذ سبل الفشل.
أغلق المعبر وأغلقت معه منافذ الأمل وأبواب الرزق، ليجد سكان المدينة أنفسهم، فجأة ودون سابق إنذار أو تخطيط، في مواجهة شبح الفقر والبطالة، وتغول الواقع ومتطلبات الحياة.
ولأن الاقتصاد كان ولا يزال رافعة أساسية في بناء المجتمع وتماسكه، فقد كان لهذه الأزمة الاقتصادية أثر بالغ في تجلي مجموعة من المظاهر التي لا يعمى عنها إلا كل ذي عقل عليل أو قلب سقيم؛ مظاهر اجتماعية وإنسانية تأخذك مكرها في متاهات الخوف وسراديب المجهول.
إلى وقت قريب جدا كان المنصرف من بيته لا ينتبه إلى ساعته، فهو يعرف أنه مهما تأخر الوقت فالجو آمن والمدينة سالمة ولا خوف عليه أو على أحبائه، ولكن الوضع اليوم أصبح مخيفا؛ فحيثما وليت وجهك تجد العديد من المتشردين الذين يقفون على عتبات المطاعم وأرصفة الشوارع، لا ينصرفون عنك إلا إذا تكرمت ومددت لهم ما تيسر لك من عطاء؛ شباب مشردون جاؤوا من أماكن عدة هدفهم الوحيد العثور على فرصة عمل أو العبور إلى الضفة الأخرى، لكن السبل تقطعت بهم ليفضلوا صدقات الغرباء وإحسانهم على العودة إلى عائلاتهم يجرون ذيول الخيبة والخذلان، والمخيف حقا أن تواجدهم لم يعد محمودا بل أصبح يشكل خطرا حقيقيا في ظل الأزمة التي لم يسلم منها أبناء المنطقة أنفسهم.
المدارس هي الأخرى لم تسلم من هذه الأزمة؛ فالعديد من المتعلمين تركوا مقاعدهم الدراسية فارغة دون إشعار بعودة أو بقرار انتقال لاستكمال دراستهم في مستقرهم الجديد.
والفاجعة الكبرى؛ تأثر القيم بشكل مباشر يجعلك تستشعر المرارة وتتذوق الألم، فكيف تبني قيم متعلم يأتي إلى المدرسة مهزوما برسائل أسرته التي تكتوي بنار الحاجة وقصر ذات اليد!!! كيف يمكن أن تؤثر إيجابا على فكر مراهق يترنح بين ما هو موجود وما يحب هو أن يوجد أو يتحقق؟
تضيع القيم ويضيع معها الإنسان وهو يرى ما يرى في حيه من انتشار للبطالة، وارتفاع لمعدلات تعاطي المخدرات، إلى جانب معدلات الانتحار والجريمة.
كيف لرب أسرة متواضع أن يلبي حاجات أسرته الكثيرة والمتزايدة في ظل أزمة أفرغت الأسواق والمحلات، وأجبرت تجارا على الإغلاق أو الانتقال؟ كيف يمكن بناء أسرة أو المحافظة عليها وأغلبها وجدت نفسها تعيش وضعا لم تتعود عليه؟ فارتفعت حالات الطلاق، وتشتتت أسر، وضاع بناء الإنسان والقيم.
واهم من يظن لوهلة أن الأزمة اقتصادية صرفة، إنها تمتد عميقا في مجتمع تنقض عراه ويتفكك تماسكه رويدا رويدا.
يتملكنا الذعر – نحن سكان المنطقة – حين نرى أزهار الأمل تذبل على حائط الألم، نستشعر المرارة كل يوم ونحن عاجزون أن نقدم حلولا تحد من هذه المشاكل، فالمشكلة أعمق من أن تحل بتدخلات فردية أو مبادرات شخصية.
الوضع في المنطقة يستدعي جهودا حقيقية ورؤية صريحة تمتد إلى أصل المشكل وتقطع مع الحلول الترقيعية التي لن تزيد الوضع إلا تأزما، والتي لن تقدم ولن تؤخر في واقع أصبح يفرض نفسه فرضا.
وحده الأعمى والمتوهم لا يرى حجم القبح الذي بدأ يرتسم في الأفق، ويجتث ما تبقى من أحلام الصغار وأمانيهم.
إن خطة اقتصادية لا تستند إلى صوت الشارع، ولا تستمد مقوماتها من نبض المواطن، وتأخذ بعين الاعتبار متطلباته واحتياجاته، لهي خطة سقيمة محكومة بالفشل.
لذلك يجب بناء خطة اقتصادية تشاركية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة ومتطلبات أبنائها وتطلعاتهم، وتربط بين ما هو اقتصادي وبين ما يمتد إليه من أوضاع اجتماعية وإنسانية، لتضع حلولا بديلة تحفظ كرامة الإنسان وتصون إنسانيته.