أيها الآباء انتبهوا.. فأبناؤكم في خطر

بقلم: أميمة أيت لقتيب
رسالتي إليكم جميعا آباءً وأمهات؛ ضعوا هواتفكم جانبا وانظروا حولكم، فأبناؤكم في خطر؟
لا تنتظروا من الأستاذ أن يربي أبناءكم فقد خرج الوضع عن السيطرة، وما أصبحنا نراه ونسمع عنه يوجع القلب؛ فهذه تلميذة انتحرت بسبب الحمل، وهؤلاء عشرات التلاميذ ذكورا وإناثا يدمنون المخدرات والكحول، بل الأدهى من ذلك؛ يستعملونها داخل حجرة الدرس دون حياء أو مواربة، أما عن العلاقات بين الجنسين فحدث ولا حرج، فقد طالت صغار السن وكباره، وأصبحت تعج بها أبواب المدارس ومحيطها !
فتيات قمن بحلق شعرهن بالكامل تشبها بالأولاد ولباسهن يعري من أجسامهن أكثر مما يستر، وذكورا اختفت سيماء الرجولة فيهم، فاهتموا بشكلهم على حساب جوهرهم؛ مبالغة في تسريح الشعر وصباغته، ولباس لا تكاد تفرق بينه وبين لباس البنات، وتخنث وانتشار “للمثلية” بين صفوف التلاميذ، والجهر بها بين أصدقائهم …
فساد للفطرة والأخلاق وتطبيع مع الرذيلة، يقلد الشباب ما يفعله نظراؤهم في الغرب بعدما أصبح العالم قرية صغيرة بفعل التطور التكنولوجي ووسائل التواصل المتاحة للجميع، دون وعي بخطورتها وعواقبها، وأغلب الأولياء لا علم لهم بما يحصل وراء ظهورهم، ولا زالوا يتمثلون صور المدارس التي كانوا يلجونها؛ يعتقدون مخطئين أن التلميذ يهاب أستاذه وأن الإدارة تتحكم بالوضع الداخلي للمدرسة..
لم يعد للكلام كما للأفعال حدود، نسمع، ونحن نركب الحافلة، تلميذات يتبادلن الحديث عن الأماكن التي مارسن فيها العلاقات الجنسية ومع من وكيف، وأين قمن بالإجهاض، وكأنهن يتكلمن عن مركز للرياضة أو للقراءة.. ونرى تلاميذ يسرعون بنفث سيجارتهم قبل الصعود للحافلة، ظنا منهم أنهم بفعلهم هذا يحترمون الركاب، وينسون أن رائحة ملابسهم تفي بالغرض.. وأنت في الحافلة تحس نفسك في وسط غريب وأمام مخلوقات غريبة لا تنتمي إلى مكان أو زمان؛ إطلاق للكلام على عواهنه، وضحكات مبالغ فيها، واختلاط قادح، ورائحة الدخان، تحس وكأنك داخل مقهى أو حانة لا حافلة عمومية.
أشك أحيانا أني في بلد إسلامي حينما أرى حجم التميع والانحلال الأخلاقي الذي وصلنا إليه، وتراودني مجموعة من التساؤلات؛ من المسؤول عن هذا التردي؟ أهو التفتح التكنولوجي الذي غزا المجتمع دون أن يسبقه أو يواكبه تحسيس بالمخاطر؟ أم هو تهاون الآباء في تربية أبنائهم؟ أم هي مسؤولية الدولة بجميع مؤسساتها بدءا من إضعاف التعليم تدبيرا ومناهج، إلى فساد الوضع الاجتماعي الذي جعل الأبوان يلهثان وراء الماديات بعد أن استبدت طغمة باحتكار ثروة البلاد وترك الفتات للمواطن البسيط، تتعاون المرأة والرجل ومع ذلك لا يستطيعان أن يوفرا للأسرة ما يحفظ كرامتها، أم يا تراه الإعلام الإباحي الذي يشجع كل ما يصب في هذا الانحلال ويغلق أبوابه أمام المبادرات الجادة؟ أم غياب فضاءات لاحتواء إبداع الشباب وتوجيههم وتوعيتهم؟ أم كل هذا مجتمِعا؟
فأما مسؤولية الدولة فهي ثابتة، وأما ما يروج في وسائل التواصل من رسائل خطيرة هدفها محو كل الآثار المتبقية من التربية والمبادئ فيعلمه القاصي والداني. وأما العائلات فقد بالغوا في الاهتمام بالجانب المادي على حساب الجانب الروحي القيمي، فكبرت الهوة بين الآباء والأبناء، لا يعرف الآباء اهتمامات أولادهم ولا يوجهونهم، ولا يجعلون لهم أوقاتا خاصة، ولا يشجعونهم على الإبداع وإخراج ما فيهم من طاقة بشكل إيجابي.
إن لم يكن في مقدور الآباء أن يتجاوزوا العراقيل الأخرى، فلا أقل من أن يجعلوا من أنفسهم قدوة لأبنائهم، عليهم أن يتركوا هواتفهم وينتبهوا لأبنائهم، وليفتحوا أبواب النقاش الجاد داخل البيوت، وليشبعوا عاطفة أولادهم محبة وتفهما ورعاية وإحساسا بالأمان، وليصاحبوهم في فعل بعض ما يحبونه، وليراقبوهم بشكل إيجابي من أجل توجيههم لا تعنيفهم.
أيها الآباء؛ اتركوا هواتفكم، لا تجعلوها تشغلكم وتلهيكم عن دوركم الأساسي في التربية والتوجيه والتحصين، وإلا فستندمون أشد الندم على الفرص التي تضيعون دون قصد من أجل حماية أبنائكم من البرك السوداء الغارقة عقولهم فيها. حببوهم في الصلاة وحفظ القرآن وتدبره، اصطحبوهم إلى المساجد وقاعات الرياضة والمتنزهات بل وحتى المقاهي.. املأوا أوقاتهم بما يفيدهم من هوايات مفيدة وأعمال خيرية فالفراغ يقتل. أعيدوا للأسرة طعمها، اجتمعوا على طاولة الطعام واجعلوا لكل يوم موضوعا تناقشونه بينكم، توصلون من خلاله رسائلكم وتتعرفون أيضا على أفكارهم كي تستطيعون توجيههم، انشروا الأمل بينهم وشجعوهم، انظروا إليهم نظرة المفتخر الواثق في أبنائه فستنعكس إيجابا عليهم، حصنوهم بالقرآن والدعاء ليحميهم الله ويعينكم على تربيتهم.
نسأل الله تعالى أن يهدينا، وجميع شبابنا وشاباتنا وجميع المسلمين والمسلمات والناس أجمعين، إلى طريقه المستقيم ويحفظنا من وساوس الشيطان الرجيم.