نساء فلسطين.. رجولة تفضح فسولة الحكام العرب

فقط في فلسطين؛ الكل يحمل مشعل مقاومة المحتل، الشباب والنساء والأطفال والشيوخ، كل حسب طاقته وقدرته. تخلى عنهم العالم؛ عربا وعجما، فتجندوا للمهمة العظيمة متوكلين على الله سبحانه وتعالى، متمسكين بإيمانهم ويقينهم أن النصر سيكون حليفهم مهما طال الزمان وعدا من الله سبحانه وتعالى.
فقط في فلسطين؛ لا يوجد للشجاعة عمر ولا جنس، فيها أطفال ببسالة سيدنا علي كرم الله وجهه، وشباب بإقدام صلاح الدين الأيوبي، ونساء بجسارة نسيبة بنت كعب وخولة بنت الأزور؛ قوة وإرادة صلبة لا يدب إليها خوف ولا هوان ولا ضعف.
ويثبت التاريخ، مرة أخرى، أن المرأة المسلمة التي تقف على ثغر حافظيتها؛ ساندة ظهر زوجها وقائمة بأمر بيتها وأولادها، لا تتوانى عن التقدم إلى الصفوف الأولى للجهاد مشاركة الرجال متى دعت الضرورة لذلك ونادى الواجب الديني والوطني، ولعل ما يصلنا من صور ومشاهد من فلسطين خير مثال عما كانت عليه الصحابيات في صدر الإسلام. فرأينا النساء يلبين النداء في كل الميادين مدافعات عن الحق الأصيل في الأرض والهوية والثقافة؛ رأيناهن مشاركات في جميع المظاهرات الاحتجاجية منذ عهد الانتداب البريطاني، حيث كان أول خروج لهن في مظاهرة ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة أول مستوطنة “إسرائيلية” في قرية العفولة. وبعدها ظهرت المرأة في ثورة البراق في القدس سنة 1929 بأدوار مختلفة؛ طبيبة وممرضة وجريحة وشهيدة. لتكمل مسيرتها وفية لنفس النهج، حتى رأيناها داخل ساحات الوغى تحت رصاص الاحتلال في مسيرات العودة الكبرى.
وموازاة مع عملها الميداني فطنت نساء فلسطين إلى أهمية العمل السياسي، فانبرين إلى عقد أول مؤتمر نسائي في القدس في 21/1/1929 بحضور 300 امرأة من مختلف أنحاء فلسطين، بحثن فيه قضيتين أساسيتين؛ الهجرة اليهودية وتمليك الأراضي لليهود، قدمن إثره عريضة طالبن فيها بإلغاء وعد بلفور ومنع الهجرة اليهودية.
وتوالت بعدها مشاركة المرأة الفلسطينية في المؤتمرات والأنشطة والاحتجاجات ودعم المقاومين وجمع التبرعات إلى سنة 1936، لتتخذ أشكالا متقدمة في العمل السياسي والنضال الوطني، بتأسيس الاتحادات والجمعيات التي تجاوزت التعريف بالقضية وبجرائم المحتل إلى نقل الأسلحة والطعام للمقاومين، ثم لتنتقل، بعد استفحال الأوضاع وزيادة العدوان، إلى المشاركة في الأحزاب والحركات المقاومة، وتنضم إلى صفوف القتال المسلح. وقدمن منذ ارتقاء أول شهيدة فلسطينية في حرب الستة أيام سنة 1968؛ شادية أبو غزالة التي شاركت في عملية تفجير باص في تل أبيب خلال النكسة واستشهدت بعدها بسنة خلال تحضيرها قنبلة يدوية الصنع انفجرت فيها، العديد من الشهيدات والمعتقلات.
ومن أوجه المقاومة والدفاع المتعددة مرابطة النساء داخل وفي أكناف المسجد الأقصى، ملازمات له رغم الاعتداءات والإبعاد والتضييقات والاعتقالات والتحقيقات.. عمل يومي لا يصاحبه ملل ولا كلل ولا نكوص بل يزيده تعلقا وتشبثا بالبقعة الطاهرة ووقوفا في وجه المغتصب، مسترخصات الأنفس ليقدمن أيقونات من طينة المعلمة هنادي الحلواني (التي اعتقلت أكثر من 25 مرة خلال مسيرة رباطها) وأخواتها.
واليوم وقد علت موجة الظلم، وتكالبت القوى الاستكبارية العالمية إلى جانب المحتل الغاصب، وهرول المطبعون العرب على المستويين الرسمي والمؤسساتي للانضمام إليهم، وإخراج “صفقة القرن” الكارثة، التي تهدف إلى تصفية الحق الفلسطيني وتمكين المحتل الغاصب من وضع يده على كل فلسطين، تُخجل بسالة النساء الفلسطينيات وإقدامهن وجسارتهن جبن وإحجام ونكوص حكام اختاروا الانضمام إلى معسكر الظلم والاستكبار والاستبداد، اضطرهن خذلان بني جلدتهن من العرب إلى التواجد بقوة في جميع ميادين المقاومة؛ في المظاهرات والمسيرات وجميع الفعاليات المنظمة، تحكي الصور قصص أعدادهن وثباتهن.
وفي الوقت الذي ينقل إلينا العالم الأزرق مشاهد البطولة الفلسطينية بكل أطياف المجتمع، ينقل إلينا أيضا، في مشهد مقزز تعافه أنفس الشرفاء، مسؤولين عربا يراقصون صهاينة على جثث أصحاب الحق والأرض، مسؤولين وُكّلوا أمر أوطانهم للدفاع عنها وعن دين الأمة ومقدساتها وهويتها وثوابتها، فخانوا الأمانة، وخيبوا ظن شعوبهم التي تنبض بنبض شعب فلسطين، وباعوا القضية بعرض من الدنيا قليل.