المرأة والقرآن.. صحبة وجهاد

بقلم: السعدية كَيتاوي
اختزن الله في المرأة من الفطرة السليمة وأودع فيها من الرحمة ما يؤهلها لأن تحتوي أمة، فتسلك طريقها نحو النور بتمام النور الذي اتقد في قلب الواصلات.
القرآن… كلام الله المعجز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، خص المرأة بكثير من الذكر؛ كلام رب العالمين شهادة تسمو به المرأة لتتقلد وسام العبودية، شأنها في ذلك شأن الرجل؛ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
عبودية تخرج بالمرأة من دونية العجز، لتكشف بعد ذلك عن مخزون روحي قادر على صنع المعجزات.
فماذا فعل القرآن بالمرأة؟
الاستشهاد في سبيل الله
عندما تسترجع حكايا البدايات تبهرك نماذج من الصالحات؛ نماذج جلّت كيف أحدثت رسالة النور انقلابا في مخلوق ضعيف لتصنع منه طاقة لا تقهر، فاسترخصن في سبيل الله الروح لتَكنّ لمن بعدهن آية وقدوة.
نستحضر، مثالا لا حصرا، أول شهيدة في الإسلام؛ سمية بنت خياط، سابع السبعة الذين أعلنوا إسلامهم بمكة من غير بني هاشم، ظن أبو جهل بجهالته أنه قتل روحا شهدت لله بالوحدانية، لكنه غفل عن سر قوة النور التي تسكن المؤمن. قال الحبيب المصطفى مواسيا سيدنا عمار (قتل الله قاتل أمك). امرأة تنتزع من سيدنا رسول الله دعاء يليق بعجيب صنع الله في المستضعفين.
التضحية بالولد
ذكر القرآن الكريم قصة من أعجب ما يترجم لليقين تمثلا وتحققا؛ أم موسى عليه السلام؛ قطعة من الذات تلقي بها في بحر التسليم والرضا. يهفو القلب إلى فلذة الكبد حتى كادت لتبدي به، وفراغ عميق يسكن سويداء الفؤاد، طفل رضيع لا غِذاء له إلا من ثدي يدر حليب التجلي لقدرة الله على جمع الشتات، كيف لا وهو الجامع المانع سبحانه.
في حضن أمومة مزدَوجة يترعرع نبي الله ليشق لقومه بحر النجاة.
من وراء أم موسى نساء كثيرات تشبعن باليقين وتشربه منهن أولادهن؛ أم سيدنا أنس بن مالك تهب ابنها خادما لسيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وهي تعلم يقينا أن نور النبوة سيسري إلى قلب ابنها البار ويفوز بنور الوصل، صحبة وملازمة جعلته من أئمة الصحابة الكرام الذين استعملهم الله في حفظ الحديث النبوي الشريف..
القرآن وطلب العلم
“اقرأ”؛ نداء خالد بخلود هذه الرسالة السماوية العلوية.
“اقرأ”؛ دعوة إلى نفض غبار الجهل، وفي العمق هي تصدر للمجالس العلمية والرياض النورانية تعلما وتعليما، ربت عليها الصالحات رجال في كل زمان ومكان.
أمنا عائشة، عالمة فقيهة مسددة، نَسَّابة زمانها، ورثت علم الأنساب من أبيها سيدنا أبي بكر الصديق، برعت كما برع وزادت وتعلمت. روت الشعر وكانت تحفظ منه الآلاف، وروت الحديث، وتعلمت فن الطب من وفود العرب الذين زاروا الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وهو في مرض موته.
حفظت القرآن إلى جانب أمنا حفصة وأمنا أم سلمة، أوتيت مفاتيح الحكمة، وكذلك كان نداء الله إلى أمهات المؤمنين وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
حظ المؤمنة من كتاب الله
كتاب الله كلام رب العالمين، كتاب حملته المؤمنة بقوة مسترخصة في ذلك كل غال ونفيس. فاطمة بنت الخطاب، بثباتها ومحافظتها على رقعة طاهرة أبت أن تمسها يد الكفر، تتسبب في إسلام سيدنا عمر الفاروق، وتهب للأمة والتاريخ ثاني الخلفاء الراشدين، بإذن من الذي أنزل القرآن سعادة للأرواح التواقة إلى معرفة الله.
قابضات على الجمر كنَّ، أم سلمة تشهد تجاذب بني المغيرة ابنها سلمة حتى خلعت يده. أم عمارة نسيبة بنت كعب وأسماء بنت عمرو، تحضران وسط وفد من الرجال ليبايعن بيعة العقبة. وما هي إلا اقتحام للعقبة. كان القرآن يتحرك فيهن جهادا شاملا. كان حظهن من القرآن برهان صدق ومشاركة وصمود.
هن القدوة والدلالة على طريق الحق، وعلى خطاهن تسير المؤمنات في كل زمان ومكان، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى “تجدد المؤمنة إيمانها بذكر الله، وتتلو آيات الله غدوا وعشيا، وتحفظ منها ما تيسر، وتتغنى وتُجَوِّد، حتى تنقشع عن سماء روحها وعن آفاق عقلها عوارض العذاب الأليم لتمطرها سحائب الرحمة” (الأمهات صانعات المستقبل، تنوير المؤمنات، الجزء الثاني، ص 268).
لم تكن المرأة، على عهد الرسول الأمين، كما مهملا، فقد أحدث فيها القرآن قوة داخلية جبارة استمدتها من صحبتها لسيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وتشربها لمعاني الجهاد بما هو صنع لمستقبل الإسلام وتعبئة لمصير أمة آمنت بالله.
جهاد لن يكتمل إلا إذا تصدر الرجل بقوامته الروحية قبل المادية للرياح العاتية التي تحيط بأسرنا من كل حدب وصوب، وتشبثت المرأة بحافظيتها تسد ثغورا تغيب عن فكر الزوج، ويمضيان معا نحو أفق يبشر بالفرح والفلاح والنجاح.