فِي عادة الصَّحَابَةِ فِي تعظيمه ﷺ وتوقيره وإجلاله

حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ، وَأَبُو بَحْرٍ الأَسَدِيُّ بِسَمَاعِي عَلَيْهِمَا فِي آخَرِينَ؛ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، حدثنا محمد بن عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى، وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ؛ قَالُوا: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شُمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ؛ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: وَمَا كَانَ أحد أحب إلي من رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي مِنْهُ إِجْلَالًا له؛ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لأَنّي لَمْ أَكُنْ أملأ عيني منه (1).
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أصْحَابِهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وهم جُلُوسٌ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ؛ فَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ بَصَرَهُ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؛ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إليهمَا (2).
وَرَوَى أسَامَةُ بن شَرِيكٍ، قَالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصْحَابُهُ حَوْلَهُ كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ (3).
وَفِي حَدِيث صِفَتِهِ: إذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ.
وَقَالَ عُروة بن مَسْعُودٍ حِينَ وَجَّهَتْهُ قُرَيْشٌ عام القَضِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأى من تَعْظِيم أصْحابِهِ لَهُ مَا رَأَى، وَأنَّهُ لَا يَتَوَضَّأ إلا ابتدروا وضوءه، وكادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا، وَلَا يتنخم نُخَامَةً إلَّا تَلَقَّوْهَا بِأكفّهِمْ فَدَلكُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ، وَلَا تَسْقُطُ مِنْهُ شَعَرَةٌ إِلَّا ابْتَدَرُوهَا؛ وَإِذَا أمَرَهُمْ بِأَمْرٍ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ؛ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أصْواتَهُمْ عِنْدَهُ؛ وَمَا يُحِدّونَ إليه النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ.
فَلَمّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؛ إنّي جئت كِسْرى فِي مُلْكِهِ؛ وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ، وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِ؛ وَإِنَّي والله مَا رَأَيْتُ مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطُّ مِثْلُ مُحَمَّدٍ فِي أصْحَابِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: إنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظّمُهُ أصْحابُهُ مَا يعظّم محمد أصْحَابُهُ. وَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ أبدًا (4).
وَعَنْ أَنَسٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى الله عليه وسلم والحلاق يَحْلِقُهُ، وَقد أطَافَ بِهِ أصحابه، فما يريدون أنْ تَقَعَ شَعَرَةٌ إلَّا فِي يَد رَجُلٍ (5).
وَمِنْ هَذَا لَمّا أذِنَتْ قُريْشٌ لِعُثْمَانَ فِي الطّوَافِ بِالبَيْتِ حِينَ وَجَّهَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي القَضِيَّةِ أَبَى، وَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6).
وَفِي حَدِيث طَلْحَةَ: أَنَّ أصْحَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالُوا لْأَعْرَابِيّ جاهِلٍ: سَلْهُ عَمَّنْ قَضى نَحْبَهُ، وكانوا يَهَابُونَهُ وَيُوقّرُونَهُ؛ فَسَألَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، إِذْ طَلَعَ طَلْحَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هَذَا مِمَّنْ قَضى نَحْبَهُ” (7).
وَفِي حَدِيث قَيْلَةَ: فَلَمّا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسًا القُرْفُصَاءَ أُرْعِدْتُ مِنَ الفَرَقِ. وَذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ وَتَعظِيمًا.
وَفِي حَدِيث المُغِيرَة: كَانَ أصْحَابُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُونَ بَابَهُ بِالْأَظَافِرِ (8).
وَقَالَ البَرَاءُ بن عازِبٍ: لَقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أنْ أسْألَ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَنِ الْأَمْر فأؤخّرُه سِنِينَ من هَيْبَتِهِ.
من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، للقاضي عياض، ج2، ص 33-34. الطبعة الثالثة: 1461هـ – 2001م.
(1) مسلم (121/192)، تحفة الأشراف (10737).
(2) الترمذي (3668)، تحفة الأشراف (286).
(3) أبو داود (3855)، الترمذي (2038)، تحفة الأشراف (127).
(4) البخاري (2731، 2732) من حديث المسور ومروان، تحفة الأشراف (11252).
(5) مسلم (2325/75)، تحفة الأشراف (420).
(6) البيهقي في الدلائل (4/133 – 135) عن عروة بن الزبير.
(7) الترمذي (3742) عن طلحة، تحفة الأشراف (5005).
(8) معرفة علوم الحديث للحاكم (ص 19).