فاطمة.. مصابة بالسرطان ركبت أهوال “قوارب الموت” بحثا عن العلاج والإنسانية

فاطمة أبو درار، فتاة أنهكها الوجع بعد إصابتها بمرض السرطان، أنهكها “المرض والبطالة والاضطهاد”، حاولت عدم الاستسلام لليأس وحلمت أن تشرق شمس غد أفضل في وطنها، وطال انتظارها، فلم تجد سوى “وحوش آدمية أنانية مادية، تقول نفسي نفسي من بداية الرحلة إلى نهايتها كلفتني الكثير من الحيطة والحذر والألم والخصام والصراع من أجل البقاء على قيد الحياة”، حسب تعبيرها، فقررت الرحيل على متن “قوارب الموت” في رحلة محفوفة بالمخاطر نحو جزر الكناري، بحثا عن الإنسانية والرحمة في بلد غريب يوفر شروط الحياة الكريمة، اعتبرت وصولها إليه ولادة ثانية.
تحكي فاطمة في تدوينة لها على حسابها بفيسبوك، وسمتها بـ” #الولادة_مرتين” وأرفقتها بصورة ومقطع مصور يوثق لرحلتها على متن قارب صغير، قصة معاناتها ومصابرتها ومقاومتها للمرض بأسلوب مؤثر، فتقول:
“لطالما قلت ستستمر الحياة….. رغم كل شيء محبط
ستستمر…. رغم كل الظروف القاسية
سأبادلها المضي قدما بتحد كبير رغم الانتكاسات والشدائد، سأطارد ما تبقى من الأحلام المسروقة، رغم الحاضر الموحش والمستقبل المجهول، نعم سأبقى هنا واقفة أقاوم وأقاتل على ناصية الحلم.. دون استسلام
لست من أصحاب النظرة السوداوية، ولا الذات المتشائمة، لكن أرغمت على حياة فيها الهوامش للشرفاء، والرفاهية لسارقي الطموحات والأماني”.
ثم توضح أبو درار، في التدوينة ذاتها، سبب عزمها ترك وطنها والهجرة نحو المجهول:
“(..) فأنا ‘سيدتي الحياة’ لم أجد السبيل سوى في #ركوب_قوارب _الموت والمغامرة بحياتي لأيام طوال كانت بمثابة زمن من الخوف والموت بدل المرة ألفا، طمعا في النجاة ليس إلا وافتتاح حياة جديدة ولولادة روح أقوى ..
فأنا ‘سيدتي الحياة’ اغتيلت أحلامي في مهد بلدي #مرضا وبطالة وعطالة وموتا واضطهادا.. لم يدفعني حب المغامرة وتغيير الروتين، ولا مداعبة التجارب لخوض غمار المعركة ضد أعتى المحيطات وأخطر العوالم الزرقاء في البسيطة.. فلقد كان الدافع أكبر من أن أبقى لأتعذب في مكاني دون نتيجة، رغم أنني قاومت لتحقيق كل شيء، واستمريت لإثبات ذاتي ولو تكالبت علي محن الزمن، حالي حال باقي المنكوبين معي في القارب … لكن لا حياة لمن تنادي.
كنت أوهم نفسي أن الحياة في بلدي فسحة جميلة تستحق أن تعاش، على أساس أنه سيشرق الضوء في آخر النفق ولكن تذكرت بعد عناء طويل أنها مقبرة الأحياء ليس إلا”.
هي أحداث تحكي قصة الألم والإهمال والفقر، في بلد اختار القائمون عليه التخلي عن واجبهم في توفير حياة كريمة للمواطنين؛ تعليم يمنح من العلم والتجربة ما يؤهل الفرد لأن يكون قوة في بناء وطنه، وتنافس شريف في المجال الاقتصادي يشجع المواطنين على استثمار رؤوس أموالهم دون أن ترهقهم كثرة الضرائب وهيمنة الشركات الكبرى التي تحظى بامتيازات من يسيطرون عليها؛ فهم النخبة في السياسة وشركاتهم النخبة في الاقتصاد، وتغطية صحية ناجعة تحفظ للإنسان كرامته، واهتمام بالمواطن واحتياجاته الأساسية من خدمات وطرق ومراكز استشفاء.. واللائحة تطول.
قصة أسعفت صاحبتها الكلمات لتعبر عما اختلج في صدرها من مشاعر، ولا ندري كم هي القصص التي ترحل مع أصحابها في صمت.
يذكر أن تقريرا كانت أعدته “وحدة الإيكونومست للمعلومات” (The Economist Intelligence Unit) التابعة لمجلة الإيكونومست البريطانية في أكتوبر 2015، صنف المغرب في الرتبة 52 من أصل 82 دولة شملتها الدراسة في مجال “جودة الموت”، وهو بذلك لا ينتمي إلى البلدان التي “من الجيد الموت فيها” حسب التقرير. ومعلوم أن قطاع الصحة يتدهور سنة بعد أخرى مع رفع الدولة يدها عن القطاع العام وتشجيع القطاع الخاص الذي يتميز بارتفاع تكلفة العلاج فيه، وهو ما يجعله بعيدا عن متناول فئة عريضة من المواطنين.
التقرير المذكور اعتمد على مؤشرات فرعية من بينها: الرعاية التي يتم تقديمها للأشخاص المصابين بأمراض مميتة، وتكاليف هذه الرعاية، وسهولة الولوج إليها..
وكان مما جاء في الدراسة أن “المغرب من بين البلدان التي تقول إنها تتوفر على استراتيجية لتطوير الرعاية الطبية على المستوى الوطني، لكنها تظل مجرد نوايا وكلام فضفاض بعيدا عن أن يكون له تصور واضح وأهداف محددة، كما أنه لم يتم إعمال أية آلية لتنفيذ تلك الاستراتيجية..”.