ذ. ركراكي: الإمام كان كلية أخلاقية محمدية.. فضلا وأهلية وبذلا

شهد الأستاذ منير ركراكي أن الإمام “كان دائما يركز على الأخلاق”، وأنه رحمه الله “كان كلية أخلاقية محمدية من حيث ما بذله ومن حيث ما كان أهلا لذلك ومن حيث كان له فضل في ذلك”.
واستشهد الأستاذ ركراكي على محورية الأخلاق في فكر الإمام، خلال تصريح خص به موقع مومنات.نت على هامش أشغال اليوم الثاني من إحياء الذكرى السابعة لرحيل الإمام رحمه الله تعالى يوم الأحد 18 ربيع الآخر 1441 الموافق لـ15 دجنبر 2019، بكون الإمام “لما تحدث عن شعب الإيمان، البضع والسبعين شعبة”، التي جمعها تحت خصال عشر، وفصل فيها في كتابه “شعب الإيمان”، اعتبر أن “الذي سلط عليه الضوء في الحديث هو أعلى شعب الإيمان؛ قول لا إله إلا الله، الجانب التعبدي، علاقتك مع مولاك، ومع من بلغك رسالة مولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي العبادة التي من أجلها خلقنا والعبودية التي هي لب أمرنا حالا ومقالا ومآلا. ثم تحدث عن إماطة الأذى عن الطريق، وهي العمل، عبادة بإيقان وعمل بإتقان، إماطة الأذى بمفهومها الواسع؛ إماطة الأذى عن طريق الأمة والمرأة والمتعلم والمسكين.. والحياء شعبة من الإيمان، قال هذا الجانب الأخلاقي، وخلق هذه الأمة الحياء، تستحي من الله حق الحياء؛ فتحفظ الرَّأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى.. كما جاء على لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم”.
واسترسل عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان مجليا دور الأخلاق في الدعوة إلى الله عز وجل، فقال: “الأخلاق إذن لها فضل كبير في أن يظهر الإنسان بزينة على قومه، فيكون مستئمِنا لهم، محبوبا فيهم، داعية مقبول كلامه وتصرفه فيهم، لذلك قال الإمام رحمه الله: الدعوة الصامتة حيزها أرحب من الدعوة الناطقة، الدعوة الناطقة أضيق، تحتاج أن يكون لك لسان وقلم وزاد وتحتاج من الآخر صبرا على مكتوبك ومقولك، تحتاج فهما ووعيا… بينما الدعوة الصامتة مخصِّبة، ودور المخصب أفضل من دور المستقطب؛ المخصب يزرع شجرات والمستقطب يقطف ثمرات، فأين هذا من ذاك؟”.
وانتقل ركراكي لبيان أهلية الإمام رحمه الله تعالى للكلام في موضوع الأخلاق، فهو رحمه الله “عندما يتكلم عن الأخلاق فهو أهل لذلك، فبيته كان مدرسة، سواء على مستوى أسرته التي أعطت نماذج ناجحة راجحة صالحة لأن تعمم، في الكرم والحلم وسعة الصدر والصبر والاحتضان والإيواء والتعامل بإحسان مع الناس..”، وأكد ذلك من خلال أثر هذا التعامل في من حوله ممن عايشه ولو لمدة يسيرة، فساق مثال لذلك: “حينما كانت بناتي وابني يذهبون في العطلة إلى داره كان يحتضنهم، وتأويهم زوجته للا خديجة، كانوا يرجعون إلي بوجه غير الوجه وبسلوك غير السلوك وبأخلاق غير الأخلاق، لأنهم وإن عاشوا أياما معدودة محدودة في الزمان لكن لها امتدادات على مستوى التشرب القلبي والتمثل العقلي والتشكل السلوكي، وهذه مستويات، وهل يتشرب إلا من قلب حي سليم محب كبير؟”، وأرجع اجتماع الناس على الإمام لتلك الخصال الطيبة الحميدة التي كان يتمثلها، ذلك أن “الأمة تحتاج إلى قلوب كبيرة تسمع شكاوى الناس وتعرض حاجاتهم على الله، وكان رحمه الله رجل استماع وإنصات، ورجل دعاء ودعوة، يوجهك إلى أجمل الأخلاق وأكملها وأمثلها”.
وأضاف، في المحور ذاته وأهو أهليته رحمه الله للكلام عن الأخلاق، أن “أيما إنسان جالس الأستاذ عبد السلام ياسين إلا ورأى فيه نظافة ولطفا وسمتا حسنا وتؤدة وحلما وعلو همة، كنا ندخل عليه بهموم كالجبال وعندما نخرج من عنده تصبح الجبال كأنها حصاة، وكان يقول: هوِّلها تَهُل، هوِّنها تَهُن. كان خلقه على سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حكمة ولطف معشر ولين جانب ومحبة وكرم”. وأعطى ركراكي المثال على ذلك بأحد المشاهد التي حضرها قائلا: “لما خرج الإثنا عشر من السجن أول ما فعل الأستاذ عبد السلام هو أن زارهم مواسيا، وهذا من خلق الكرام، ثم ذكرهم بقول الله تعالى: فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم، هؤلاء الذين حُكموا بالعشرين ظلما وعدوانا واغتصبوا في زهرة عمرهم، ومات من مات من أقاربهم آباء وأمهات وأعماما وأخوالا وهم في السجن، قابل الإمام ظلمهم بهذا العفو والصفح والإحسان، وأوصاهم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم ‘أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك’”.
وبشأن بذل الإمام في الدعوة والتربية على الأخلاق، أوضح صاحبه أنه “بذل في الكلام عن الأخلاق جهدا كبيرا في مكتوبه ومنطوقه، وفيما سجله، وفيما عنّ لنا منه وما ندّ عنه، كان كلية أخلاقية بامتياز”.
وتابع مبينا مكامن التميز في أخلاق الإمام؛ “كانت لديه ثلاثة أخلاق قل وجودها؛ الشهادة، فكان يشهد للناس بالحق. يقال: الدون يحسد والمثل يغبط والفوق يشهد، فالإمام كان يشهد للناس بالخير، ما من خصم إلا ونال من الأستاذ عبد السلام ثناء، ومنهم النظام، فلما توفي الحسن الثاني وقد فعل به ما فعل من سجن ورمي في مستشفى المجانين.. جاءه أخ لينعى له موته فوجده ينظر إلى التلفاز ونعش الرجل أمامه ويرفع يديه بالدعاء له، فأشار له أن يجلس ويشارك في الدعاء، فلما أتم قال كلاما جميلا، قال: لما كان حيا لم تكن خصومتنا معه خصومة فرد مع فرد، أنا تصدقت بعرضي لأهل البيت، فليفعلوا بي ما يشاؤون إلا أن يؤذوا أمة رسول الله، الآن وقد أفضى إلى ما قدّم فلا نريد لأحد أن يتعذب أو أن يحرم فندعو له.
الخلق الثاني، أن الإمام لم يكن يحقد على أحد، كان قلبه سليما، وكان يقول: لو علم أعداؤنا ما نكن وما نريد لهم من خير لعانقونا، ولم يحاصروا ويعتقلوا ويضيقوا ويشمعوا ويفعلوا ما يفعلون.
الخلق الثالث هو الكرم، فالرجل كان كريما”.
وحكى الأستاذ ركراكي مشهدا جميلا من لطف معاملة الإمام مع بناته، فقال: “كنت زرته فألفيته مع بناته وحفيداته بنات للا ندية فقال لهن: انصرفن فقد جاءني عمكن ضيفا، ولكن أخبرنني قبلا ما الدرس الذي تلقيتن في هذا اليوم؟ هذا يعني أنه كان يعطيهن دروسا، فقالت له الصغيرة: درسنا عن الجنة، وسألها: وما فيها؟ فأجابته: الحلوى، فقال لها: وماذا أيضا؟ قالت: النار، قال: وما فيها؟ قالت: الحلوة سخنة، فضحكنا.. وأدخلهن في سلهامه قبل أن يعطيهن الحلوى ويصرفهن، وقال: هذه تعلمتها من الدجاجة؛ الحضن الدافئ، فأينما ذهبوا سيحنّون إلى الرجوع إليه، فإن لم نحتضن نحن أبناءنا فقد يسرقهم منا من ينافسنا عليهم بالشائك من الأحضان”.
وختم بالتأكيد أن “الإمام كان كلية أخلاقية من حيث ما بذله ومن حيث ما كان أهلا لذلك ومن حيث كان له فضل في ذلك.”