الكمال الخُلُقي -2-

بالخلق الكريم أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأحبابه. قال عالم الصحابة معاذ بن جبل رضي الله عنه: «كان آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رِجلي في الغرز أنْ قال: «يا معاذ! أحسن خُلُقكَ للناس». رواه الإمام مالك في الموطإ. وقال صلى الله عليه وسلم: «بُعثت لأتمم حسن الأخلاق». حديث صحيح في الموطإ عن مالك بن أنس رضي الله عنه. وروت أمنا عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم». رواه أبو داود بسند صحيح. وروى الترمذي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنُهم خلُقا وألطفُهم بأهله».
وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكاملين والكاملات في الأخلاق فقال: «إن من أحَبكم إليَّ وأقرَبكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسِنكم أخلاقا. وإن أبغضكم إلي وأبعدَكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون». قالوا: يا رسول الله! قد علمنا الثرثارون والمتشدقون. فما المتفيقهون؟ قال: «المتكبرون». رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه بسند حسن.
هذه هي الوصايا المباركة. وننزل إلى أرض الابتلاء والاختبار ليعلم الله تعالى مدَى صِدْق ما ندّعيه لأنفسنا من جهاد. قال تعالى: ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ سورة محمد، الآية 32. هو سبحانه يعلم، لكن قدَره يظهر على أيدينا في أرض الواقع. إما أن نصبر ونواظب ونتحمل الناس وأذاهم فيكون جهادنا حقا، وإما أن يخوننا الصبر وتُعوِزَنا الأخلاق والمخالقة فتكون دعوانا اسما على غير مُسمى. من الآية نأخذ أن الصبر والجهاد متلازمان. ومن معنى الصبر نأخذ أنه امتلاك النفس. وامتلاك النفس وحملها على مكاره الشهوة والهوى، ومحاب الله ورسوله، رأس الأخلاق. وكمال الأخلاق كمال في الدين.
عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج2، ص 55-56.