الإحسان إلى الخلق -3-

قطب الرحمة. أنتِ يا أختَ الإيمان قطب الرحمة إن كان لبأس الرجال مجال. ثم تزاحمينهم هناك كما زاحمت أم عمارة بضرباتها في أحُد أبطال الإسلام.
(..)
تعجّبَ ربنا جل وعلا من صنيع الأنصارية التي أطعمت ضيْف الدعوة، ضيْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشاء أطفالها، واحتالت ليشبع، وتلطفت ليهدَأ بالُه. كذلك قبل الحكم الإسلامي وبعده يلزَمُ المؤمنات أن يوسعن بيوتهن لاستضافة المؤمنين والمؤمنات. تنظر المؤمنة هل ترتيب فراشها وأناقة أثاثها أحب إليها أمْ أن يكون بيتها معقلا من معاقل الإسلام، ومهدا لإنشاء أخوة، وجنّةً من جنان ذكر الله، ومدرسة يتعلم فيها المؤمنون والمؤمنات دينهم، وموعداً لمجالس «تعالي نومن ساعة»؟
قِرَى الضيف عابر السبيل فرض، وليلته حق على كل مسلم. فإن كان الضيف ضيف دعوة فقِراه آكد، وحقه أوجب على من تَفْقَهُ في دينها.
هؤلاء التائبون والتائبات منهم غرباءُ في بيوت الآباء والأمهات. الآباء والأمهات على إسلامهم الموروث المهادِن المسالم النائم. فلا تعرف الأمهات والآباء ما تفعله البنات والأبناء من التعرض لنقمة الحاكمين. يجد الغرباء عندكِ ملجأً وموعدا ومدرسة، ويجدون في بيتك الوصية الإلاهية بالوالدين، مهما كان موقف الوالدين ما دونَ دعوتهما الذريةَ للشرك بالله. ما وصى الله الإنسان ببر أسبق من بر الوالدين، ولا طاعة أحب إليه من طاعتهما في المعروف، ولا إحسانا أمَسَّ بذمة الإنسان من الإحسان إليهما. والبِر حسن الخلق كما جاء في الحديث، فالمؤمنات ينتظر منهن أن يدبِّرْن باللطف واللباقة والذوق حسن العلاقة بين الوالدين والمولودين بما يُصلح الدعوة دون أن يفسد ما أمر الله به من البر، ودون أن يُقطع من صلات الرحِم والقرابة ما أمر الله به أن يوصل.
نقرأ ما جاء من ترغيب في النفقة في سبيل الله، والجهاد بالمال قبل النفس في سبيل الله. في سبيل الله إعانة الأفراد من بني الإنسان، وحتى من ذرية الحيوان. إطعام مبرور، وضيافة واجبة، وقِرىً مفروض، وزكاة للبائس والمحروم. كل ذلك بر وصدقة ونفقة. ويتحول كل ذلك جهادا ترتقي به المؤمنة إلى ذروة سنام الدين إن وُظفت الأموال، ورُصدت النفقة، ودبِّرت المبرات، ونظِّمت الإسعافات بفعالية العمل الجماعي، وفي مَدِّ الدعوة ونصر مسيرتها.
عبادة تُقَرِّب إلى الله من طريق المعاملة معه سبحانه في خلقه. معبَّدَة هي الطريق ممهدة من إغاثة النفس المؤمنة إلى حضرة قدس الجماعة الذاكرة المجاهدة، تغشى الرحمة، وتنزل الملائكة.
عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج2، ص 64-65.