الإحسان إلى الخلق -1-

دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي سرّحتها لتأكل من خشاش الأرض. ودخل رجل الجنة في كلب عطشان سقاه بفلاةٍ فأنقذه من الموت.
هاتان القصتان نقرأهما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونمر. كلا! بل فيهما توجيه لتَعُم رحمتُنا وإحساننا الخلق أجمعين، لا نحقر من المعروف والإحسان شيئا. فالنفس التي تشفق على حيوان ملهوف في الصحراء نفس رحيمة، يشكر الله صنيعها فيجزيها الجنة. والنفس الشريرة التي تمارس عدوانها على الحيوان الضعيف مثل الهرة نفس جهنمية. نعوذ بالله.
هذا جزاء الله عز وجل ثواباً وعقابا للمحسن والمسيء في حق الحيوانات العجماء، فكيف ثوابه وجزاؤه، وعذابه وعقابه، للمحسن إلى الناس والمسيء؟
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضتُ فلم تَعُدني! قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أَطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني! قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال استسْقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي؟».
هل هنالك أبلغُ من هذا البيان للدلالة على الأهمية القُصوى لإسداء الخير إلى الناس، وعلوّ مرتبة الإحسان إلى الخلق عند الله؟ وهل ترك لنا القرآن الكريم مطلبا من مطالب البِرِّ إلا بينه في قوله عز وجل: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ؟ (البقرة، 176).
أرأيتِ أختَ الإيمان كيف ذكرت أعمال البر مباشرة بعد الإيمان القلبي بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين، وقبل الصلاة والزكاة؟ من صلت صلاتها وزكت فرضها فهي مؤدية لواجب عيني تحاسب عليه. أما من تبرعت بمالها وحنان قلبها على المحتاج من قريب ومسكين وسائل فقد أسْهمت في القيام بفرض كِفائيٍّ متعلق بذمّة الأمة، فارتفعت بذلك مرتبة عملها إلى أعلى. المصلية المزكية فرضَها ما عدَت أنْ بنَتْ أركان بيت إسلامها. أما المحسنة إلى الخلق المجاهدة بمالها وحنانها فهي تبني في صرح دين الأمة. بذلك كان لها الفضل.
عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج2، ص 60-61.