“أيقونات الانتفاضات”.. المرأة العربية تستعيد ريادتها

اتسمت الانتفاضات الشعبية التي عرفتها مجموعة من الدول العربية خلال السنة الحالية، من الجزائر إلى تونس إلى السودان فالعراق فلبنان.. بالحضور القوي والفاعل للعنصر النسائي. حضور استطاع تكسير الصورة النمطية للمرأة العربية، وأكد نضجها وانخراطها في شؤون مجتمعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. حضور هو من صميم وظائف المرأة، وهذا ما تؤكده نظرة من أعالي تاريخ الإسلام، حيث المرأة، كما الرجل، مأمورة بالتهمم بأمور المسلمين؛ ابتداء من إطعام الطعام والتكافل والمرحمة، إلى تقديم المشورة في أمور تتعلق بتسيير المجتمع كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته رضي الله عنهن، إلى المشاركة في الحروب طاعمة وساقية وممرضة بل وأحيانا مقاتلة.. قبل أن ينكمش دور المرأة مع الانكسار التاريخي والبعد التدريجي عن روح الإسلام لتعتزل أمر مجتمعها وأمتها، ما أدى إلى التنقيص من قيمتها بفعل قراءة مغلوطة للدين، الذي تُعتبر مبادئ وقيم العدل والحرية والكرامة جوهر رسالته الروحية، والذود عنها أمر منوط بشرائح المجتمع كلها.
وظهرت في كل هذه الدول نماذج رائدة لنساء اعتبرهن المتتبعون “أيقونات الانتفاضات”، نظرا للدور الطلائعي الذي قمن به في التعبئة وإذكاء روح النضال في الحاضرين، لا المشاركة المجردة؛ ففي لبنان حملت لنا صور الثورة حضورا كثيفا وفاعلا للنساء اللبنانيات، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة للمواطنة “ملك علوية” وهي تقف في وجه أحد أفراد عناصر الأمن دون خوف أو وجل عندما بدأ يطلق النار، مطالبة إياه أن يطلق النار عليها بدلا من المشاركين، ولأن المشهد غير مألوف فقد خاف الجندي، حسب تصريح مرئي لها منشور على فيسبوك.
رسالة قرأها أعداء الحرية وعلموا أنه سيكون لها من التأثير في تقوية الصفوف والتغيير السياسي الحاصل حاليا ما يصعب حصره مستقبلا، فانبرت أقلام أزلامهم إلى تشويه صورة حضور المرأة اللبنانية في ميادين الاحتجاج، والتركيز بشكل مبتذل ومهين على أجساد النساء اللبنانيات وأنوثتهن بدل التركيز على أفعالهن النضالية بهدف تسخيف الثورة، فخ فطنت له النساء فأكدن جرأتهن في الدفاع عن وطنهن بتنظيم مسيرة نسائية ضخمة مثلت الرد المناسب.
وفي السودان ظهرت الطالبة في كلية الهندسة المعمارية “آلاء صلاح” على ظهر سيارة تنشد قصيدة ثورية من التراث الشعبي “حبوبتي كنداكة”، تستنهض بها همم الثائرين وتثبتهم وتحثهم على الصمود، خلال اجتماعهم خارج مجمع القيادة العامة للجيش إبان الثورة الأخيرة.
ولئن كانت الجرأة والشجاعة من شيم الشباب، فإن المرأة العربية المتقدمة في السن كسرت هذه القاعدة، فها هي “الخالة زاهية”، أو “سيدة المكنسة” كما لقبها المتظاهرون في الجزائر، ذات 64 عاما، تواظب على المشاركة في الاحتجاجات ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ملتحفة علم بلادها ورافعة مكنستها الخضراء التي اشتهرت بها، والتي أوضحت أنها اشترتها كي “ننظف البلد من الفاسدين”، امرأة فهمت معنى التنظيف الحقيقي الذي يبدأ من المنزل ويمتد إلى المحيط القريب فالمحيط الاجتماعي والسياسي..
هي أمثلة، وغيرها كثير، وما بطولات نساء فلسطين اليومية عنا ببعيدة، تؤكد بشكل لا تخطئه العين الصحيحة أن الوعي قد عم، وأن جدار الخوف سقط، وأن شروط التغيير بدأت تتبلور، وأن استعادة الشعوب لمكانتها، بكل فئاتها، مسألة وقت لا أكثر.