سيدة نساء العالمين -2-: نسب وأدب

في الحلقة الثانية من سلسلته هاته، تحدث الأستاذ سعيد ضياء، عن نسب السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها وصفاتها الحميدة التي عرفت بها؛ عن الفترة بين ولادتها وطلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمضاربة بأموالها، بما فيها زيجاتها وأولادها قبل معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنزل البركات، أشهد أن لا إله إلا هو سبحانه ربّ الأرض و السموات، و أشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده و رسوله جميل الذات كامل الصفات، اللهم صل عليه و على آله وصحبه أولي المكرمات.
أما بعد، فيقول المولى عز وجل: لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
في أعظم وأقدم وأجمل حواضر العالم، في مكة المكرمة زادها الله مهابة وتكريما، ولدت سيدة حلقاتنا أمنا خديجة رضي الله عنها، في بيت جاه ووجاهة، ومروءة وفطنة ونباهة، قبل عام الفيل بخمسة عشر سنة (1).
أبوها خويلد، وجدُّها الأول من أبيها اسمه أسد وجدُّها الثاني عبد العزى، وكلهم من أشراف قريش وسادتها، بل إن عبد العزى كان من الموقعين على حلف الفضول، ذلك الحلف الذي كان يفخر النبي صلى الله عليه وسلم بحضوره وهو غلام، وبالانتماء إليه، والذي كانت غايته نصرة المظلومين والوقوف في وجوه الظالمين، أيا من كانوا.
ولدت السيدة خديجة في هذا البيت، ومنذ نعومة أظافرها، بدت مختلفة عن الأقران، جميلة وذات أخلاق حسان، لبيبة تتصرف بتأنّ واتزان، فسمَّوْها الطاهرة، والطهر عنوان وبرهان ورهان.
وما إن بلغت سن الزواج حتى تهافت على خطبتها الشبان، وأتوها من كلّ مكان. فكانت من نصيب شاب حسيب نسيب من بني تميم، اسمه هند بن النباش بن زُرارة.
تزوجت به، وأخلصت في عشرته، وأنجبت منه ثلاثة صبية: هالة (2)، وبه كان يكنى، وهند (3) والطاهر (4)، على اختلاف الروايات بين هل ولدت له اثنين أو ثلاث، كانوا كلهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عاشت مع هذا الرجل سنوات ثم مات وانتقل إلى دار البقاء وتركها شابة في ريعان الشباب، مثقلة بحمل ثلاثة أيتام. لكنه ترك لها ثروة هائلة وأموالا طائلة.
ما إن التئم جرحها أو كاد، حتى تقدم لخطبتها رجل آخر من بني مخزوم اسمه عتيق بن عائذ بن عبد الله، فقبلت به زوجا علّه يكون سلوى لمصابها وأبا لأطفالها.
تزوجت به وأنجبت منه صبية سموها هندا (5)، ثم مات هذا الرجل كذلك وتركها وهي التي لم تتجاوز ثلاثين سنة. وهنا قررت العزوف عن الزواج والتفرغ لتربية أطفالها وبالمال الوفير الذي ورثته عن زوجيها دخلت عالم المال والأعمال، وأصبح لها اسمها في سوق مكة، أصبحت لها مكانتها في أسواق قريش.
كانت السيدة خديجة (6) رضي الله تعالى عنها امرأة تتسم بالوقار والاحتشام، فلم تكن تنزل السوق بنفسها ولكن كان لها عبيد وأعوان وخدام.
وكان لقريش رحلتان في العام؛ رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام.
وحينما يأتي موسم الارتحال هذا يحتاج أصحاب المال إلى من يضارب لهم في أموالهم، وهذا يحتاج إلى أهل الخبرات والمهارات والكفاءات بمثل هذه الرحلات.
كان بمكة يتيم فقد أبويه، يعيش في كنف عمه، اشتهر بالصدق والأمانة حتى سماه الناس الصادق الأمين.
ولئن كانت التجارة تحتاج إلى خبراء، فهي أحوج منهم إلى أمناء، وهؤلاء عزُّوا على مرور الدهور والأزمان، وهم كالكبريت الأحمر الآن.
أُخبرت السيدة خديجة رضي الله عنها عن هذا الشاب اليتيم المعروف بصدقه وأمانته، وحثها بعض أهلها والمقربين منها أن تستخدمه وأن يضارب لها في مالها.
فهل يا ترى يقبل هذا الشاب أن يعمل معها؟ وهل يضارب لها في مالها؟
هذا ما سنتحدث عنه إن شاء الله في الحلقة المقبلة، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وحزبه.
سيدة نساء العالمين 2: نسب و أدب
سيدة نساء العالمين 2: نسب و أدبمنذ نعومة أظافرها، بدت السيدة خديجة متميزة عن الأقران، جميلة و ذات أخلاق حسان، لبيبة تتصرف بتأنّ و اتزان، فسموها الطاهرة….و الطهر عنوان و برهان و رهان
Gepostet von قناة الشاهد – Chahed.Tv am Donnerstag, 14. November 2019
(1) ولدت رضي الله عنها عام 68 قبل الهجرة النبوية الشريفة، وكان ذلك قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة تقريبا، وهذه السنة توافق عام 556 ميلاديا.
(2) أما هالة بن أبي هالة، فقال الحافظ ابن حجر: “قال أبو عمر: له صحبة. وقال ابن حبّان: هالة بن خديجة زوج النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم له صحبة ” انتهى من “الإصابة (6/ 406)”.
(3) أما هند بن أبي هالة: فقال الحافظ ابن حجر: “ربيب النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، أمّه خديجة زوج النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم. روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم. روى عنه الحسن بن عليّ صفة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، أخرجه الترمذيّ، والبغويّ، والطّبراني، وغيرهم، من طرق عن الحسن بن علي.
وقال الزّبير بن بكّار: قتل هند مع علي يوم الجمل. وكذا قال الدّارقطنيّ في كتاب الإخوة، وقال أبو عمر: كان فصيحا بليغا وصف النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فأحسن وأتقن” انتهى.
“الإصابة (6/ 436)”.
(4) أما الطاهر بن أبي هالة: فقال ابن الأثير رحمه الله: “طاهر بْن أَبِي هالة، أخو هند بْن أَبِي هالة الأسيدي التميمي، أمه خديجة بنت خويلد، رضي اللَّه عنها، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بعثه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاملًا عَلَى بعض اليمن” انتهى من “أسد الغابة (2/ 455)”.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “طاهر بن أبي هالة التميميّ الأسديّ، أخو هند، ربيب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم. روى سيف في أوائل الردّة، من طريق أبي موسى، قال: بعثني النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم خامس خمسة على مخاليف اليمن، أنا ومعاذ وطاهر بن أبي هالة، وخالد بن سعيد، وعكاشة بن ثور” انتهى “الإصابة (3/ 418)”.
وينظر: “الطبقات الكبرى” (8/ 11)، “الاستيعاب” (2/ 775)، (4/ 1544،1547)، “أسد الغابة” (2/ 455)، (4/ 602)، “البداية والنهاية” (8/ 206).
(5) أما هند بنت عتيق: فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “هند بنت عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أمّها خديجة زوج النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم. ذكرها الدّارقطنيّ في كتاب الإخوة، وقال: أسلمت وتزوّجت، ولم ترو عنه شيئا. وقال ابن سعد: تزوجها صيفي بن أميّة بن عائذ، وهو ابن عمها، فولدت له محمد بن صيفي، فولدُ محمد يقال لهم بنو الطّاهرة لمكان خديجة” انتهى من “الإصابة (8/347)”.
(6) قال ابن كثير رحمه الله: “قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلَيْنِ؛ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ مَخْزُومٍ، فَوَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةً وَهِيَ [هند] أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ، وَالثَّانِي أَبُو هَالَةَ التَّمِيمِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ هِنْدٍ. [لأنه قد قيل: إنه اسم أبي هالة (هند)]. وَقَدْ سَمَّاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، فَقَالَ: ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ هَلَاكِ عَتِيقِ بْنِ عَائِذٍ أَبُو هَالَةَ النَّبَّاشُ بْنُ زُرَارَةَ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلًا وَامْرَأَةً، [وهما هند وهالة] ثُمَّ هَلَكَ عَنْهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعَ، ثُمَّ بَعْدَهُنَّ الْقَاسِمَ وَالطَّيِّبَ وَالطَّاهِرَ، فَذَهَبَ الْغِلْمَةُ جَمِيعًا وَهُمْ يرْضَعُونَ” انتهى من “البداية والنهاية (8/205-206)”.
وقيل بالعكس، أنها تزوجت أولا بأبي هالة، ثم بعده بعتيق بن عائذ كما سيأتي.
فقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: “وكانت خديجة قبل أن ينكحها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت عتيق بن عائذ، فولدت له هند بنت عتيق، ثم خلف عليها بعد عتيق أبو هالة مالك بن النباش بن زرارة التميمي الأسدي، فولدت له هند بن أبي هالة، وهالة بنت أبي هالة، فهند بنت عتيق، وهند وهالة ابنا أبي هالة كلهم إخوة أولاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خديجة” انتهى من “أسد الغابة (7/80)”.
وقال النووي رحمه الله: “قالوا: وكانت – أي: خديجة – قبل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجة لعتيق بن عائذ المخزومى، فمات عنها وله منها ولد، ثم تزوجها أبو هالة مالك، وقيل: هند بن زرارة، وقيل: تزوجها أبو هالة قبل عتيق، ثم تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” انتهى من “تهذيب الأسماء واللغات (2/342)”.
وقال الحافظ رحمه الله: “هند بنت عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أمّها خديجة زوج النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم. ذكرها الدّارقطنيّ في كتاب الإخوة، وقال: أسلمت وتزوّجت، ولم ترو عنه شيئا .
وقال ابن سعد في ترجمة خديجة: خلف على خديجة بعد أبي هالة عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، فولدت له جارية يقال لها هند، فتزوجها صيفي بن أميّة بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وهو ابن عمها، فولدت له محمد بن صيفي، فولد محمد يقال لهم بنو الطّاهرة لمكان خديجة” انتهى من “الإصابة (8/347)”.