دعاة الحريات الفردية وغَرابة إقصاء المدخل التربوي

مساهمة منه في النقاش الدائر حول الحريات الفردية في المجتمعات العربية الإسلامية؛ هل يجب أن تسيجها حدود معينة أم أنها مطلقة؟ كتب الأستاذ عبد الرحمان خيزران تدوينة، استنكر فيها جنوح بعض الأطراف المدافعة عن إطلاقها إلى استبعاد البعد الديني القيمي الأخلاقي واستدعاء كل ما دونه دفاعا عن طرحهم، قال فيها: “إحدى الغرائب التي تَعْتوِر طرح دعاة الحريات الفردية في المغرب، والعالم العربي والإسلامي، بحثهم عن كل المداخل الممكنة لانتزاع “الحق” والتمكين له أو تلافي الأضرار الناجمة عن ممارسته، مقابل استبعادهم التام بل إقصائهم الغريب للمدخل التربوي الأخلاقي”.
وأوضح خيزران في تدوينته على فيسبوك، أن هذه الفئة تعتبر “المدخل القانوني، عتبة التمكين للحريات”. و”المدخل الثقافي، خلفية صلبة للمجتمع الموعود”. و”المدخل النضالي، ضد السلطة والتيار المحافظ، يراكم “المكاسب” ويفتح الكوة في الجدار السميك”.
واستدعى طرق أخرى يتم التعامل بها عمليا مع مَنْ ورطته حريته الفردية في مشاكل تصبح عبئا على المجتمع، وصفها بـ”التدابير الصغيرة” التي “يمكن اتخاذها من أجل “الحرية المقدسة””، من ذلك مثلا:
– ” أن تحتضن جمعية، معروفة، “أما عازبا” وهي حامل! وتؤويها وتطعمها وترعاها إنسانيا إلى أن تضع حملها، فيُبحث للرضيع عن مأوى ما، وترجع الشابة، التي لا يُدرى من أين جاءت بالجنين، من حيث أتت، ويمكنها – كما أخبرت مدافعة شهيرة عن هذا الوضع – أن ترجع بعد أشهر ببطن أخرى منتفخة إلى الحضن والمأوى، إلى أن تضع مجددا”.
– “أن يطرق دعاة العلاقات الرضائية كل “الوسائل التحفيزية” على ممارسة الفاحشة؛ ومن ذلك “الجنس الآمن”، عبر توزيع “الواقي الذكري” للاستعمال عند الضرورة، والتوعية الطبية بكيفية استعمال “موانع الحمل”… المهم ألا تقف أي “عقبة” أمام الرغبة والنزوة”.
وطرح خيزران المدخل الرئيس في معالجة الآفات النفسية والاجتماعية، وتسييج الحريات الفردية بما ينبغي للمحافظة على الطبيعة الجميلة للنفس البشرية بعيدا عن الدوابية المهلكة للفرد والمجتمع، الكفيل بجعل الفرد يعيش حريته داخل نسيج مجتمعي متماسك، يحافظ على نفسه ونسله وعرضه وعلى المجتمع كله، وهو المدخل التربوي الديني في بلاد دينها الرسمي، الذي يتبعه غالبية الناس، هو الإسلام، فيقول بلغة المؤاخذ المنبه:
“أصحابنا دعاة الحريات الفردية:
– لا يحضر في مشروعكم شيء اسمه العلاج التربوي الأخلاقي، لا مكان في برنامجكم لقال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا حرام وذاك حلال، وذلك منهي عنه في ديننا الذي ارتضاه غالب المغاربة.
– ليس في الكلام والطرح والعرض، الذي تتفضلون به، أي حديث عن الشرع، وأي تطرق لقول الدين، وله – كما تعلمون ونعلم – قول صريح فصيح غليظ لا يحتمل التأويل.
– ليس في حديثكم إلى الشباب والشابات، وعموم المواطنين، حديث عن العفة والمروءة والتذمم، ولا استحضار للأجر والوزر، ولا تشجيع على الصبر وانتظار الفرج “وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله”.
– كل المداخل ممكنة عندكم، عدا المعالجة التربوية والمدخل الأخلاقي، وهو الأساس الذي إن تم ترسيخه في النفس والقلب والضمير لا شك يؤتي الثمار الطيبات، وحينها إن وقع الخطأ فلا ملامة ما دامت النفس لوامة”.
واستغرب خيزران “أن يطرق أصحابنا، في معرض جدالهم عن الحريات الفردية كما يتصورونها، كل شيء؛ قانوني وسياسي وثقافي وطبي ونضالي… وأن يغيب بشكل مطلق، أو شبه مطلق، أي حديث عن التربية الإيمانية الأخلاقية كما يقترحها الإسلام”.
ولينبه لكون غلبة الشهوات أمر موجود في النفس البشرية، سيجها الإسلام بمجموعة من التشريعات، كما هو الأمر بالنسبة لجميع مناحي الحياة، فالنظام أصل أصيل في الخليقة، كي لا تخرج عن هدفها الذي من أجله خلقت، استدعى حادثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تدل على تعامله وتوجيهه في حالة مماثلة، نموذج تطبيقي لكيفية التعامل مع النفس البشرية وردها إلى الجادة، فساق الحديث التالي:
أتى فتى شابّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: “ادنه”، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: “أتحبه لأمك؟”، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لأمهاتهم”، قال: “أفتحبه لابنتك؟”، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لبناتهم”، قال: “أفتحبه لأختك”، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لأخواتهم”، قال: “أفتحبه لعمتك؟”، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لعمَّاتهم”، قال: “أفتحبه لخالتك”، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لخالاتهم”، قال: فوضع يده عليه، وقال: “اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فَرْجَه”، فلم يكن بعد – ذلك الفتى – يلتفت إلى شيء.