الجوري يعرض بعض التدابير التي تساعد على تجاوز الاضطرابات النفسية للأطفال المعنفين

عاد الأستاذ منير الجوري المستشار التربوي والباحث في علم الاجتماع التربوي للتأكيد على أن “اختيار الضرب كعقاب يحتاج إلى شروط مقيدة لا بد من الالتزام بها، وإلا كانت نتائجه وخيمة على نفسية الطفل طول حياته”.
جاء هذا في تدوينة، ضمن سلسلة #رسالة_الأب التي يعمد فيها المستشار التربوي إلى الإجابة عن بعض الأسئلة التي تخص تعامل الآباء مع مشاكل أبنائهم، جوابا عن سؤال لأب كان يعنف ابنه وهو صغير، ومع أن الأب تجاوز هذا الأمر، وبعد مرور سنوات، لاحظ أنه ابنه ما يزال “يعاني آثار التعنيف”، حيث أصبحت “لديه حالة خوف شديد من العقوبة رغم أن الجميع يشجعه ويعامله بلطف سواء في البيت أو المدرسة أو المسجد حيث يحفظ القرآن.. كما أنه يدخل في نوبة بكاء إذا انتقده أحد، أو عندما لا ينجز واجباته لسبب ما رغم أنه متفوق دراسيا”، يقول الأب في سؤاله، ويضيف أنه رغم أن علاقته به أصبحت “جيدة لكني أشعر أحيانا أنه يحمل شيئا في قلبه ضدي”.
واعتبر الجوري أن من أهم شروط الضرب كوسيلة للتربية “ألا يكون تنفيسا عن توتر في نفسية الأب، لأنه في هذه الحالة يصبح الضرب انتقاما وليس تربية، وعندما يتخذ الضرب مسارا تربويا فإنه لا يمكن إلا أن يكون خفيفا ومتباعد الفترات جدا، ومتناسبا مع الخطأ الذي ارتكبه، هل فعلا يستحق الضرب أم لا..”.
وأوضح أن “سؤال هذا الأب يعكس نموذجا من الآثار الممكنة جراء تعنيف الأطفال”.
ولتجاوز ما يعانيه الطفل من اضطرابات ما تزال عالقة في نفسه جراء تعرضه للعنف، وضع الجوري الآباء أمام خيارين تبعا لحالة الطفل؛ “فإما أن حالة الطفل صعبة واضطرابه النفسي قوي ويتزايد مع مرور الوقت، في هذه الحالة ينبغي عرضه على طبيب مختص في نفسية الأطفال، فبعض الحالات لا يمكن التعامل معها إلا من طرف طبيب. أما إذا كان الاضطراب خفيفا ولا يعيق السير العادي اليومي للطفل، فيمكن أن تضع الأسرة خطة لتقديم الدعم الذي يحتاجه هذا الطفل لفترة زمنية قد تطول، حيث يتعاون المربون على تنزيلها من خلال بعض التدابير”.
ودل الباحث في علم الاجتماع التربوي على بعض التدابير المساعدة في تجاوز هذه الاضطرابات:
“- الإكثار من أوقات المتعة العائلية داخل البيت وخارجه صحبة الأب. ومشاركته اللعب والنشاطات الأخرى التي يحبها.
– إسماعه بشكل متكرر عبارات مختلفة على أن أيام العنف لن تعود وأنها كانت خطأ لن يتكرر. مع التأكيد على ضرورة الصدق في ذلك والالتزام به، وإلا كانت الانتكاسة أكبر.
– إخبار محيطه؛ خاصة مدرسيه والراشدين ممن يربونه من عائلته، حول وضعيته والتعاون على إعادة الثقة إلى نفسه.
– ذكر أبيه من طرف آخرين بأوصاف جميلة تعيد له ثقته فيه، خاصة من طرف والدته.
– العمل على إرجاع ثقته في نفسه، والاحتفاء بإنجازاته مهما كانت صغيرة، ومدحه أمام الآخرين، والافتخار به أمام أقرانه ومحيطه”.
للتذكير فإن الجوري قدّم لسلسلته في حلقتها الأولى بتوضيح بعض معالم العلاقة المفترضة بين الأب وأبنائه بقوله: “أن تكون أبا يعني أن تبسط راحة يديك بليونة ومرونة وأمان ليستلقي صغارك الباحثون عن شمس دربهم الطويل، أن تجعل ابتسامتك الدائمة تحمل تعابير الرضا والحب والافتخار، لكن لا تدعها تعوض الكلمات، فكلامك الجميل أكثر أثرا وأطول بقاء.
أن تكون أبا يعني أنك مسؤول عن تربيتهم، أقول تربية وليس رعاية أو كفالة، فالتربية حضور ومواكبة، تعبير وإنصات، إرشاد وبناء… وليست مجرد طعام وصحة وكساء. تربية تبدأ مع “الله أكبر” ترددها بين ثنايا روحهم فتلامس فطرتهم النقية الصافية، وتدشن أنت بها بداية رسالة جديدة، مهمة جديدة، من رسائلك في الحياة”. قبل أن يقترح على الآباء مشاركته “قصصكم وتجاربكم، همومكم وأسئلتكم على الخاص، بهدف تعميمها للاستفادة”.