بعد أمجون، أخيار وطلبة وجدة.. نجوم تضيء سماء المغرب رغم الواقع المنحبس

تطل علينا، بين الفينة والأخرى، نماذج مشرقة لتلاميذ وطلبة مغاربة نبغوا في مجال معين، نماذج تدل على أنه رغم البؤس المركب الذي يتجشمه المغاربة على مستويات تعد الحجر الأساس في نمو المجتمعات والشعوب؛ مثل التعليم والصحة والاقتصاد.. فإن الشعب المغربي يظل شعبا “محاربا” له من مقومات النبوغ والتفوق ما يمكن أن ينافس به أكثر الدول تقدما.
نماذج تؤكد أن جوهر المشاكل المغربية سياسي بالأساس؛ مرتبط ببنية النظام المحتكر لكل السلطات، والذي يحجب الطاقات الصادقة عن المساهمة في بناء بلدها، ويجعلنا نجزم بأن المخرج الأساس من هذا الفشل المتلاحق هو الاستثمار الإيجابي في الرأسمال البشري وإشراكه في صناعة مستقبل بلاده، ومنح جميع أفراد الشعب نفس الفرص لإظهار قدراتهم الخلاقة.
مريم أمجون، الطفلة المنحدرة من إقليم تاونات، المنطقة الريفية التي لا تتوفر حتى على مكتبات عمومية فازت بمسابقة “تحدي القراءة العربي 2018” في دورتها الثالثة، التي عرفت مشاركة “10.5 ملايين طالب وطالبة من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الـ 12 من 44 دولة حول العالم. وتفوقت مريم وهي بالصف الرابع الابتدائي على 597 ألف متسابق في المغرب يمثلون 2612 مؤسسة تعليمية، و16 متسابقا بالدور نصف النهائي و5 متسابقين نهائيين” 2 ولم يتجاوز سنها آنذاك تسع سنوات، أظهرت فصاحة لسان عالية وعربية لا يملك ناصيتها إلا القليلون، وإصرارا على النجاح توج بالفوز المستحق بعد قراءة 200 كتاب ومشاركتها بـ60 منها.
اليوم، وفي النسخة الرابعة للبرنامج نفسه لهذه السنة 2019، تُفاجئنا شابة أخرى؛ فاطمة الزهراء أخيار من مدينة تطوان، بتمكنها من إثبات موهبة عالية، ليس فقط على مستوى القراءة واستلهام العبر ولكن أيضا على مستوى الإلقاء والتعبير، أبهرت لجنة التحكيم ومعها كل من تابع البرنامج، فطنة ونجابة أهلتها للوصول إلى المراحل الأخيرة منه.
وفي مجال آخر، تمكن فريق مغربي مكون من ممثلي كلية الطب والصيدلة بوجدة، يضم طالبين وطالبتين (أميمة دمناتي وفاطمة أمخاو وأمين أدريوش وإدريس بنعلي)، من الفوز بالجائزة الأولى للمسابقة العالمية للمحاكاة الطبية “سيمكاب”، متقدمين على فرق تضم أطباء متخصصين في الإنعاش والتخدير، من دول فرنسا وإنجلترا وإيرلندا والتشيك والبرازيل.
في هذه المسابقة، التي نظمتها الجمعية الأوروبية لطب المستعجلات واحتضنتها هذه السنة العاصمة التشيكية براغ، يواجه المتنافسون حالة طوارئ حرجة وخطيرة محاكية، وهو ما يتطلب إتقانا ودقة كبيرتين في مواجهة الحالة دون تعريض حياة المريض للخطر.
والمحاكاة الطبية أسلوب جديد في التدريب الطبي يعتمد على تقليد ومحاكاة ما يحدث في غرفة العمليات أو الإسعاف ونقله إلى قاعات التدريب، ويشرف عليه طاقم طبي وتعليمي متخصص.
هؤلاء، وغيرهم كثير ممن لم يحظوا بمتابعة الكاميرات، شتلات فتية نرجو أن لا تصطدم أحلامها بصخرة الواقع فتبعثرها أو تضطرها إلى الهجرة نحو بلاد تقدرها وتستثمر مؤهلاتها، فلا أكبر من هذه الخسارة المتكررة لوطن هو في أشد الحاجة لنبغائه.