الدورة 23 للمجلس القطري للدائرة السياسية.. نقاش هادف وتشبث بالمبادئ وعزيمة ماضية

تحت شعار: “من أجل تغيير يصون الهوية ويحقق العدل والكرامة والحرية”، انعقدت الدورة الثالثة والعشرون للمجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان يومي السبت والأحد 20 – 21 صفر الخير 1441هـ الموافق لـ19 – 20 أكتوبر 2019م. حضرها إلى جانب أعضاء الأمانة العامة للدائرة ثلة من العاملين في المجال، وضيوف من شتى مؤسسات وقطاعات الجماعة يتقدمهم وفد من مجلس إرشاد الجماعة ضم الأمين العام الأستاذ محمد عبادي ونائبه الأستاذ فتح الله أرسلان، والأساتذة عبد الكريم العلمي وعبد الله الشيباني وعبد الهادي بن الخيلية.
في كلمته الافتتاحية أورد رئيس الدورة الأستاذ أبو الشتاء مساعف، بعد الترحيب بالحضور، قراءة في الشعار، الذي اعتبر أنه يُجمل هدف العاملين في الدائرة؛ هدف يروم التغيير من الظلم إلى العدل والكرامة والحرية، آليته انجماع شرفاء البلد وفضلائه على أساس ميثاق يحدد الأوليات ويعرض آليات العمل، ومنهجه الكلمة الحانية واليد الممدودة، عملا لتغيير يصون هوية الأمة ويحفظها ضد حملات التغريب، هوية هي العنصر الحاسم في التغيير المنشود.
وعرض عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية برنامج الدورة، الذي جاء كما يلي: كلمة رئيس الدائرة السياسية تلتها جلسة مع التقرير السياسي فأخرى مع التقرير التنظيمي، أتبعت بقراءة البيان الختامي للدورة لتختم الأشغال بكلمات توجيهية لأعضاء مجلس الإرشاد.
في كلمته، أكد رئيس الدائرة السياسية الدكتور عبد الواحد متوكل، استقراء لتاريخ دول عرفت ثورة على الأنظمة الاستكبارية، أن المستضعف المؤمن بقضيته قد يغلب المستكبر ولو اجتمعت لديه قوة الدولة، ولفت إلى أن هذه القاعدة تنطبق على المسلمين وغيرهم لأنه سنة الله في التغيير.
ولتزكية رأيه ساق متوكل ما حصل في رومانيا مثالا دالا؛ حيث عرفت “ثورة أطاحت بديكتاتورية رهيبة في 10 أيام” سنة 1989، ففي مدينة تيميشوارا المجرية كان هناك قسيس مجري ينتمي إلى الكنيسة البروتستانية اسمه لازلو توكس أدلى بحوار لوسائل الإعلام، ولم يرق النظام الأفكار التي وردت في الحوار ما دفعه لإصدار قرار بإبعاده وطرده من البيت الذي كان يقيم فيه، هذا القرار أغضب المجريين الذين كانوا يتبعون القس فاجتمعوا للحيلولة دون إخراجه من بيته، إلى هذا الحد كانت هذه قضية محدودة في منطقة معينة تخص طائفة معينة، يقول متوكل، ويضيف: لكن ومع تعنت السلطة تحول المطلب إلى إسقاط الديكتاتورية وتحول الاحتجاج المجري إلى ثورة رومانية دعت لإسقاط النظام، انتهى بإعدام رئيس الحزب الشيوعي الروماني نيكولاي تشاوشيسكو.
واستنبط متوكل من قصة هذه الثورة مجموعة رسائل منها أن أغلب الثورات بدأت بأحداث بسيطة ثم تطورت بسبب تعنت النظام، فرجل الدين الذي كان مغمورا تحول إلى رمز أطاح بالدكتاتورية.
وكشف، وهو يتابع سرده لثورة رومانيا، أن القس لم تكن لديه نية القيام بالثورة وأنه طالب المتضامنين معه بالانصراف بعد شكرهم ولكنهم لم يفعلوا، ثم بعد حوار مع العمدة حثهم ثانية على الانصراف فطالب المحتجون بوثيقة رسمية تثبت عدم التعرض له قبل أن يتفرقوا قابلها العمدة بخراطيم المياه، ليعود متوكل لاستقراء الرسائل موضحا أن غرور السلطة، كل سلطة ديكتاتورية، لا نهاية له ويعتبر أن “كل شيء تحت السيطرة”، مؤكدا أن منطق الاستبداد واحد وأن نفس التهم توجه لكل من يطالب بحق مضيع، وأساليبه نفسها؛ يستعملها للإيهام بأن النظام يتمتع بإجماع وطني، ليخلص رئيس الدائرة السياسية إلى أنه حين يأذن الله بسقوط الطاغية فإن الرياح تجري بما لا يشتهي الظالمون.
وفي آخر كلمته استخلص السيد رئيس الدائرة خلاصات مفادها أن:
1- الحملات الظالمة ضد الجماعة لن تزيدها إلا قوة وتشبثا بمبادئها وبخطها المناهض للظلم.
2- إذا كانت السلطة تريد بهذا شغل الناس فهي واهمة، لأن كثرة الموبقات أشد إيلاما من أن تترك للناس مجالا للتضليل.
3- إذا كانت تريد إرهاب الشعب وخنق تطلعاته للكرامة والحرية.. فإنها لم تقرأ التاريخ جيدا ولم تعتبر منه.
4- النظام الاستبدادي لا مستقبل له في هذا البلد ولا في غيره لأنه يفكر بعضلاته لا بعقله.. لذلك سيبقى يراكم الأخطاء حت يقع تحتها.
5- فشل مسعى التغيير من الداخل، لأنه التجربة أكدت استحالة ذلك.
بعد كلمة متوكل انبرى الحاضرون لمناقشة التقرير السياسي الذي يعتبر من أهم فقرات الدورة، وقد تميز هذه السنة بتجديد في الشكل والمضمون، وتضمن عرضا لأهم الموضوعات التي تنبئ عن حالة المغرب السياسي في شتى المجالات، وشمل تقييما وتقويما للأحداث، بدل رصد الجزئيات. وأبرز التقرير الفعل السياسي وأداء مؤسسة الدائرة السياسية. وللموقع عودة ببعض التفصيل لهذا التقرير لاحقا.
وبعد نقاش هادف ورصين، في جو من الأخوة العالية لكل من التقريرين السياسي والتنظيمي، تقدم رئيس مجلس شورى الجماعة الأستاذ عبد الكريم العلمي بكلمة توجيهية، أكد فيها على ضرورة استحضار الأمر العظيم الذي هو “روحانية الجهاد”، وأن عمل أعضاء الجماعة في كل الجبهات لا يجب أن يحيد بهم عن طلب وجه الله سبحانه وتعالى واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم واستحضار معاني الأخوة والصحبة ثم التدافع لرفع الظلم عن الأمة. وبشر العلمي الحاضرين بأنه رغم كيد الكائدين فإن الإسلام يزداد قوة وظهورا في جميع ربوع العالم لأنه الدين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده وتعهد بحفظه.
الأستاذ فتح الله أرسلان بدوره، أكد في كلمته التربوية أن “رجال العدل والإحسان قنطرة لمن يأتي بعدهم” وأن “سنة الله سبحانه وتعالى اقتضت التدافع بين الحق والباطل في كل الأزمان، والحق عندما يكون مع الدين والإسلام والله سبحانه وتعالى، فإن الله سبحانه يكون هو الفاعل، وإنما يطلب منا إتيان الأسباب”، مستحضرا قول الله تعالى “وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ”. وأكد أرسلان أن “الله سبحانه وتعالى إذا أراد فإن إرادته نافذة ولكنه يريد منا أن نبذل الجهد والطاقة في سبيل ذلك”.
وبعد تلاوة البيان الختامي من طرف عضو الأمانة العامة الدكتور محمد سلمي، كان للحضور موعد، ينتظرونه في كل دورة بشوق وتطلع، إنها كلمة الأمين العام الأستاذ محمد عبادي التي تمسح على القلوب وتعلو بالأرواح وتسمو بالهمم لطلب ما عند الله سبحانه وتعالى من خيري الدنيا والآخرة.
كلمة افتتحها الأستاذ عبادي بالدعاء الذي دعا به سيدنا وإمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اشتد به ظلم الكافرين وهو عائد من الطائف.
ليتوجه إلى الحضور مُطَمئِنا “إنكم تسبحون في بحر متلاطم الأمواج، ضد التيار، ولكنكم تبحرون في سفينة سيدنا نوح فلا تخافوا من الغرق”. ويزيد رابطا على القلوب “شتان بين من يصنع نفسه بنفسه ومن يصنعه الله فهو في حفظه ورعايته ما دام معتصما به”.
وهنأ الحاضرين على ما بذلوه خلال سنة من الجهد والعطاء المستمر في غير كلل أو ملل أو توجس أو خيفة قائلا: “ما أنجزتموه يثلج الصدر، ولكني أعتبر أن أعظم ما تقوم به الدائرة السياسية هو بناء الرجال، وهو ما لا يعادله أي عمل”، مجليا أن هذا كان ديدن خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضاربا المثل بسيدنا عمر بن الخطاب.
وذكّر الأمين العام بأساس دعوة العدل والإحسان “نحن حملة رسالة، أمناء على إرث عظيم وصل إلينا بسند متصل على يد حبيبنا المرشد رحمه الله هو النور النبوي، ودورنا البحث عن كيف نبثه في أمتنا؛ كيف نخرج الناس من الظلمات إلى النور، ونربط الخلق بالله ونذكرهم بمصيرهم وبالآخرة، الاهتمام بأمور دنياهم أمر مطلوب ولكن يجب أن يكون مصحوبا بهم الآخرة الذي به يستطيع الإنسان حيازة السعادة الأخروية”.
واسترسل ناصحا “الدائرة السياسية هي وجه الجماعة للمجتمع، فيجب أن يكون باشا، وكلمته صادقة تنبعث من القلب، تتصف بالرحمة والمحبة والحنان والعطف على خلق الله جميعا.. نحن رحمة في العالمين، نواجه بقوة وبصدق وإخلاص وبنيّة النصرة لعل الله سبحانه وتعالى أن يهدي الأمة.. غايتنا ليست الدنيا؛ يجب أن يكون همنا مكانتنا عند الله، غاية الاستخلاف أمر ثانوي مقارنة بالغاية الإحسانية، القضية الأولى هي أنا وربي، أنا ونفسي”.
ونبه الأستاذ عبادي إلى أن “هذه الهجمة الشرسة تقتضي منا الثبات والصبر والتحمل، وتقتضي أن نعطي القدوة للأمة”، وأكد أن “الجهاد فريضة سادسة بعد الفرائض الخمس، وأفضله جهاد الكلمة التي قالها مرشدنا امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر””.
ليعيد التأكيد على ضرورة لزوم “الوقوف بباب الله عز وجل؛ به نصول وبه نجول، لا منجى ولا ملجأ منه إلا إليه”.
بعد هذه الكلمة الحانية الربانية أسدلت الدورة الستار على أشغالها بالدعاء، والانصراف بأمل أقوى وعزيمة أمضى على السير في طريق نصرة دين الله تعالى وإعلاء كلمته مهما اشتدت الصعاب وكثرت العقبات.