ذة. ادويشي: التمرير المعتسف للقانون الإطار مؤشر على غياب إرادة حقيقية في إصلاح التعليم

بمناسبة الدخول المدرسي لموسم 2019- 2020، حاور موقع مومنات.نت الأستاذة حسناء ادويشي؛ الفاعلة التربوية وعضو المكتب الوطني لقطاع التربية والتعليم لجماعة العدل والإحسان.
تضمن الحوار الوقوف عند مستجدات الموسم الجديد، والشعار الذي اتخذ له، وتقييم الواقع الحالي للمدرسة المغربية، وأثر الإصلاحات الجديدة في المنظومة التربوية، والسبيل إلى إعادة الثقة في المدرسة المغربية.
هذا نص الحوار:
ماذا يعني بالنسبة لكم في قطاع التربية والتعليم الدخول المدرسي؟
من المعلوم أن الاهتمام بالتربية والتعليم دليل على احترام أي دولة لشعبها، واهتمامها بحاضر ومستقبل أبنائها، لذلك يشكل – عادة – كل دخول مدرسي عيدا تربويا ومحطة سنوية مهمة لإثارة قضايا التربية والتعليم، ومظهرا من مظاهر الاحتفاء بالمعلم والمتعلم والاحتفاء بقيمة العلم والتعلم، كما يعتبر معرضا لما تم الاشتغال عليه من أوراش ومشاريع من أجل تطوير أداء المنظومة التربوية والارتقاء بوظائف وأدوار مختلف مكوناتها.
بيد أنه أضحى عندنا – للأسف – فرحة مؤجلة، وعيدا بلا طعم، ومعاودة لنفس المشاكل والإكراهات، وانكشافا للاختلالات التي تنخر جسم المنظومة، بل وصراخات متعالية ونداءات متلهفة تتنظر آذانا صاغية تسمع الشكوى، وعيونا نبيهة تلفت إلى مكامن الداء، وإرادات عازمة تنهض للفعل، وتعكف على الإصلاح الحقيقي والتغيير المنشود الذي من مقتضياته تعليم جيد وتكوين فعال وتربية بانية وعدالة في الاستفادة من خيرات الوطن ومقدراته.
ما هي قراءتكم للشعار الذي اتخذ للموسم الدراسي الجديد “من أجل مدرسة مواطنة ودامجة”؟
تتكرر الشعارات وتتقارب العبارات وتتسع معها الآمال، بيد أن هذه الشعارات لا تعدو – في الغالب – أن تكون أماني جميلة وتعابير رنانة سرعان ما تتكسر على صخرة الواقع الأليم ولا تجد لها وقعا حقيقيا في الممارسة العملية، فما يكاد الموسم الدراسي ينتهي حتى يظهر أن الشعار لم يكن إلا حلما بَعُدَ مناله وعبارات مسبوكة لم تجد طريقها إلى ميدان التفعيل وساحات الإنجاز.
فمصطلحا “المواطنة” و”الإدماج” لطالما تكررا في الوثائق الرسمية وفي خطابات المسؤولين، ولطالما دُبجت بهما الخطابات وتعددت في شأنهما المذكرات، بيد أن المواطنة الحقيقية والإدماج الفعلي هو عندما يجد كل تلميذ مغربي وطالبة مغربية المسلك الآمن للمدرسة والمقعد المريح فيها، وعندما يتمتع أبناء الوطن بالتعليم الجيد والتكوين الناجع والإدماج المبكر والولوج المتكافئ لسوق الشغل والاندماج السلس في تنمية الوطن والاستفادة العادلة من موارده..
المدرسة المواطنة هي التي تقدس في الإنسان إنسانيته، وتحترم في الطفل طفولته، وتضمن حقه في التعلم الجيد والفضاء الجميل والحماية الجسدية والرعاية النفسية والاجتماعية، سواء كان ابن فقير أو ابن وزير، وسواء كان يسكن بقلب الرباط أو يخرج من كهوف أزيلال.
كيف تقيمون في القطاع واقع المدرسة المغربية خلال هذا الموسم؟
إن أزمة التعليم المستفحلة، وأمراضه المتناثرة لم تعد بحاجة إلى كثير تشخيص ولا هي حديث خاصة الناس، بل إن الخطابات الرسمية نفسها قد نعت التعليم وأعلنت موته قبل سنوات، والتقارير الوطنية قبل الدولية تنبئ عن وضع كارثي غير مسبوق في تردي جودة الخدمة التربوية وضعف المستويات واستمرار نزيف الهدر وتدني القيم داخل الفضاءات المدرسية، وتنامي ظواهر العنف وانتشار الغش والمخدرات وغيرها، بعدما عجزت “الرؤى الاستراتيجية و”المخططات” المتوالية عن تحقيق الحد الأدنى من رهان جودة التعليم ومتعة التعلم واستحال الخروج من كابوس الانتكاسة التربوية والذيلية بين الأمم، ففقدت المدرسة بوصلتها وتاهت عن وظيفتها الاستراتيجية ورسالتها التاريخية، وهوت المكانة الاعتبارية والقيمة الرمزية للمدرس(ة) المربي(ة) القدوة، وتم تسليع التربية وخضع التعليم لسوق المرابحة و”الاتجار” في الأبناء، وفقدت المناهج والبرامج فعاليتها والحياة المدرسية حياتها وجاذبيتها، وصار الارتجال والتجريب والعشوائية منهجا في التدبير وقاعدة في التسيير. فتفرقت بأبناء مدارسنا وخريجي جامعاتنا السبل، وانسدت في وجوههم أبواب الأمل، وتبخرت الآمال في تعليم جيد وفعال وتكوين منصف وناجع وإدماج سلس وانخراط حقيقي في الحياة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية.
قد يكون هذا التقييم قاسيا، بيد أنه ينطلق من تشخيص موضوعي وينبعث من إرادة حقيقية وغيرة صادقة على التعليم ببلادنا، ومع كل ذلك يبقى الأمل حقا مشروعا والتفاؤل بالخير سنة محمدية والرهان على جهود الصادقين من أبناء هذا الوطن لاستنقاذ المدرسة وإحياء وظيفتها مطلبا أكيدا وحاجة ملحة.
ألا ترون أن الإصلاحات الجديدة المتتالية قد يكون لها أثر إيجابي على المنظومة التعليمية كي ترقى إلى الأحسن؟
ها أنتم قلتم “إصلاحات متتالية”، يعني أن الإصلاح لا يتوقف لأن النتيجة المرضية لم نصل لها بعد، ما زال هناك تخبط واستفراد باتخاذ القرارات في الإصلاح، بل نشعر أنه ليس هناك إرادة حقيقية للإصلاح، وما التنزيل القسري والتمرير المعتسف للقانون الإطار ضدا على إرادة المجتمع ونداءات قواه الحية، وما السعي الملهوف للتمكين للفرنسية على حساب مقومات الهوية واللغة، وما المسارعة غير المفهومة لإرضاء المطامح الفرنكفونية والارتهان الأعمى لإملاءات المؤسسات المالية والتوجيهات الخارجية… كل ذلك لا يمكن فهمه إلا باعتباره مؤشرات واضحة على غياب الإرادة الحقيقية في إصلاح التعليم، وعجز بيّن عن اجتثاث الأصول العميقة لأزمة التعليم ومعالجة مسبباته الحقيقية، وإلا فإننا نعتقد أن هذا الذي يسمونه “إصلاحات” و”مشاريع” ليست إلا التفافا على الأزمة ودورانا في حلقات مفرغة وهدرا للجهود والأموال وتضييعا لفرص النجاح ومقامرة بمستقبل الأجيال.
كيف يمكن إعادة الثقة في المدرسة المغربية؟
حتى تعاد الثقة في المدرسة المغربية؛ يجب أن يشعر الجميع أن هناك إرادة حقيقة في الإصلاح واستقلالية في القرار والفعل وإشراكا للجميع من خلال نقاش مجتمعي يشارك فيه الجميع ويتعبأ له، نقاش حول مشروع تربوي شامل وعميق يستحضر الإكراهات الحالية والحاجات المنتظرة والإمكانات المتوفرة، ويتطلع لتحديات المستقبل ومتطلبات الأجيال في عالم موار يموج بتحولاته العميقة ومطالبه المتجددة.
ستعود الثقة إلى المدرسة إن هي أدت حقا مهمتها التربوية التعليمية الرسالية، وما دام دوام الحال من المحال، وما دام في الوطن غيورون فستتحرر المدرسة المغربية من تخلفها وستعطي ثمارها إن شاء الله تعالى.