مهلا شهر الخير

1) مقدمة:
من نعم الله عز وجل علينا أن هدانا للإسلام وأنعم الله علينا بالصيام، صيام شهر خير من ألف شهر أيامه معدودات، شهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فيه تغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان إنه شهر رمضان، شهر الجود والعطايا من الرحمان.
يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “شهر رمضان شهر البركات والخيرات والتوبة وتجديد الصلح مع الله وطلب غفرانه وإحسانه وعِتْق رِقابنا من النار. شهر يفطِم الجسمَ عن طبعه من شهوة الطعام، وحاجة الشراب، ولذة الجسد، لتعرف المسلمة الجوع والعطش ولتتعلم ضبط نفسها وإلجامَ هواها. ولتتحكم في أوصافها الحيوانية لتسمُوَ الروح وتتطهر، ولتتدرب المؤمنة على تغليب الأوصاف الملائكية مستقلة عن جاذبية الطين.” تنوير المومنات ج 1 ص 355.
إن الغاية من الصيام هي: القرب من الله وحصول التقوى، يقول عز من قائل في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أياما معدودات.
وإرادة اليُسر لا العُسر؛ كما قال تعالى في سورة البقرة: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
2) مرحى رمضان:
ففي الأمس كنا نقول جئت أهلا وحللت سهلا يا شهر البركات نقول مرحبا بالضيف الكريم الذي جاء بعد عام من الانتظار، جاء محملا بالهدايا والعطايا من استقبلك وأكرم مقامك نال من نوالك، ومن تجنب إقراءك فاته خيرك وإحسانك. فما هي خيراتك يا رمضان؟ :
• رمضان شهر الصيام والقيام : كتب الله سبحانه وتعالى علينا صيامه وسن لنا حبيبه صلى الله عليه وسلم قيامه فمن أحسن استقباله وصامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قامه إيمانا غفر له ما تقدم من ذنبه. فقد روى عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله فرض صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”. رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.
• رمضان شهر قراءة القرآن: يقول عز من قائل شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “كان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ” رواه البخاري. وعن أبي سعيد الخدري قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين”
• رمضان شهر تصفد فيه الشياطين: ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا جاء رمضانُ فُتِّحت أبوابُ الجنَّة، وغُلِّقت أبوابُ النَّار، وصُفِّدَت الشياطينُ، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يَخلصون إلى غيره “.
• رمضان شهر فيه ليلة خير من ألف شهر: قال تعالى في سورة القدر: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ وأخرج ابن ماجه عن أنس – رضي الله عنه – قال: دخل رمضان فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِمَها فقد حُرِمَ الخير كله، ولا يُحْرَم خيرها إلا محروم. (صحيح الجامع)
فأيُّ خير بعد هذا الخير؟ وأيُّ فضل بعد هذا الفضل؟! وهل بعد هذا العطاء عطاء؟.
3) لا تسرع الخطى يا خير الشهور:
واليوم نقول مهلا يا شهر الخير لا تسرع الخطى يقول ابن رجب رحمه الله في كتاب لطائف المعارف:
“يا شهر رمضان ترفق..دموع المحبين تدفق..قلوبهم من ألم الفراق تشقق.عسى وقفة الوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق..عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ما تخرق..عسى منقطع من ركب المقبولين يلحق..عسى أسير الأوزار يطلق..عسى من استوجب النار يعتق..عسى وعسى من قبل يوم التفرق إلى كل ما نرجو من الخير نرتقي فيجبر مكسور ويقبل تائبٌ ويعتق خطاء ويسعد من شقي”.
4) وداعا شهر الرحمة:
وغدا نقول وداعا شهر الرحمة والبركة عسانا نكون ممن استقبلك وأكرم مقامك ونال من نوالك، ولا نكون ممن تجنب إقراءك وفاته خيرك وإحسانك.
ونقول هنيئا لمن صام نهاره وقام ليله هنيئا للتالين كتاب الله، الراكعين الساجدين، المتصدقين الناصحين، العاملين المخلصين… وفي ذلك فليتنافس المتنافس.
هنيئا لك أيتها الأم عرفت فضائل هذا الشَّهر، فحرصت على استغلال ساعاته في عبادة ربك بالنهار وبالليل صياما، قياما، ذكرا، وقراءة للقرآن …..تنافسين المتنافسين دون الإخلال بأشغالك العادية المتعددة، ملجمة لسانك بلجام ذكر الله في جميع الأحوال ففزت بالحسنيين.
فهنيئا لمن فاز برضى الله، هنيئا لمن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ونقول يا حسرة على من فاته شهر رمضان ولم يفز لا برحمة ولا بمغفرة ولا بعتق من النيران فيا خسارة من ضيع فأضاع.
فيا رب إنك سلمت لنا رمضان وسلمتنا له فاللهم تسلمه منا متقبلا.
5) خاتمة:
من أول ليلة من ليالي رمضان تتنزَّل الرَّحمات، وينادى على أهل الطاعات: أقبِلوا وأسرِعوا إلى الجنَّات، فيا رب لا تَحرمنا من هذه البركات، واجعلنا يا كريم من المغفور لهم وممَّن كتبتَ لهم الجنَّات.
نسأل الله بمنِّه وكرمه أن يبلِّغنا رمضان سنوات عديدة، وأن يوفِّقنا للقيام فيه بأفضل الأعمال.