عادات رمضان في الميزان

تقـــــــــــــــديـــــــــــــــــــــم
رمضان شهر الرحمة والتوبة والمغفرة والعتق من النار، نفحة من النفحات الربانية، وهدية سنوية من رب البرية، للتطهر من الذنوب بالتوبة والاستغفار، والإقبال على الله، والاستزادة من الطاعات، فالأجواء مهيأة بعطاء الله في هذا الشهر الكريم، الذي تصفد فيه الشياطين، وتضيق على النفس منافذ المعاصي بالصوم، “وينادي المنادي يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر” ، ولذلك فإن لهذا الشهر مكانة عظيمة في قلب كل مسلم، والأسر المغربية توارثت جيلا عن جيل تعظيم هذا الشهر الفضيل، وتوارثت أيضا عادات و تقاليد تعبر عن الفرح به وحسن الاستعداد له. ولأن الزمن يفعل فعله، نحتاج إلى طرح أسئلة: أ لازالت الأسر المغربية تحتفظ كما السلف بهذا التعظيم والإجلال ونية التقرب، وهي تكرر كل سنة نفس العادات والطقوس؟ ألا تحتاج المرأة المغربية والأسرة إلى التذكير بالغايات والأهداف المرجوة من كل هذه العادات؟ كيف نزن هذه العادات بميزان الدين؟ بل كيف تنتقل من مجرد عادة إلى عبادة؟
1-أهم العادات والتقاليد الرمضانية
لاستقبال رمضان لدى الأسر المغربية طقوس خاصة وعادات معروفة، قد تختلف من منطقة إلى أخرى في بعض الجزئيات، لكنها تتفق في الأغلب. ولعل من أبرز العادات في الاستعداد لرمضان تنظيف البيت تنظيفا كاملا، بحيث تتبع فيه المرأة كل ركن من أركانه، وكل زواياه وأثاثه وأفرشته، وإن لزم الأمر إعادة طلائه وصباغته، مع تجلية الأواني وتجديد مالم يعد صالحا، فهي حملة نظافة سنوية متعبة ومضنية، لكنها قد تكون ممتعة. ومنها أيضا إعداد بعض الوجبات المشهورة الخاصة، واقتناء لوازم المطبخ من توابل وحاجيات وغيرها، وهي عادات لازالت مستمرة؛ بل زادت حدتها وتطورت مع الزمن ومع خروج المرأة إلى سوق الوظيفة والشغل؛ فأضحى تخزين الأطعمة والمـأكولات اللازمة لمائدة الإفطار هم كل امرأة، حتى تحول الأمر إلى مبالغة وإسراف وهوس؛ بل موضع سخرية في مواقع التواصل الاجتماعية. ولعل أهم التقاليد صلة الرحام قبيل رؤية الهلال، والاحتفاء بأهل القرآن، والتصدق في رمضان وإحياء ليلة القدر وتخصيصها بالصيام الأول للصبيات والصبيان، وإقبال الصغار والكبار على المساجد.
بعض هذه العادات وإن كانت تعبر عن تعظيم وتوقير لهذا الشهر، إلا أن منها ما تحول إلى مبالغة وإسراف، ومنها الإقبال المنقطع النظير للناس على المشتريات والمقتنيات؛ بشكل لافت للانتباه ومسبب في ارتفاع الأسعار والاحتكار والمضاربة، وكل أمراض التجارة التي يستغل أصحابها لهفة الزبناء، حتى أصبح رمضان مرادفا لمضاعفة الاستهلاك و تكديس أنواع المأكولات على مائدة الإفطار؛ التي يكون إعدادها ثقلا على المرأة التي تسعى لتلبية طلبات ورغبات أهل البيت، فلا يبقى لها وقت للاستزادة من الطاعات ، واغتنام منحة الشهر المبارك في الذكر والقربات.
2-تحول العادة إلى عبادة
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بما يحمله هذا الشهر من الفضائل، تشجيعا لهم على فعل الخير” أتاكم رمضان شهر بركة، شهر يغشاكم الله فيه، فينزل فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ويباهي بكم الملائكة، فاروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه من رحمة الله”. وقد كان الصحابة والتابعين يسيرون على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ في حسن الاستعداد لهذا الشهر استعدادا روحيا، وتوالت الأجيال تتوارث هذا التقدير والإجلال لشهر من أشهر الله، ونحن في زماننا بحاجة إلى التذكير بفضائل هذا الشهر، ووضع عاداتنا في ميزان الشرع وتجديد النية وتحديد القصد.
فلا ينكر أحد أهمية التنظيف والتطهير والتجميل، قال صلى الله عليه وسلم“نظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود” ، ففي ذلك راحة للنفس وتخفيف لها، كما أن المكان الذي سيتلى فيه القرآن وتغشاه ملائكة الرحمن حري أن يكون أنظف وأطهر مكان، فالملائكة تتأذى من الوسخ والروائح الكريهة، ونزولها يحتاج تطييبا للمكان؛ فقد جاء في الأثر: “أن النبي صلى الله عليه وسلم استبطأ الوحي فلما هبط عليه جبريل عليه السلام قال له: كيف ننزل عليكم، وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم، قلحا لا تستاكون، مر أمتك بذلك” فالمرأة بحاجة إلى استحضار هذه المعاني وهي تقوم بحملة النظافة الرمضانية؛ حتى تضع هذه العادة على السكة الصحيحة، يقول صلى الله عليه وسلم” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” ، تحتاج المرأة إلى تجديد النية حتى تخرج من العادة إلى العبادة، وهذا يتطلب معرفة بمقاصد الدين وغاياته من كل فعل وطاعة، كما تحتاج إلى تحرير العادات الحسنة من كل ما يشوبها من مبالغة ومباهاة ومفاخرة وإسراف، فمثلا إعداد بعض الأكل قبيل رمضان وتخزينه؛ أمر محمود إذا راعت فيه المرأة السلامة الصحية، وقصدت به ربح وقت لاغتنامه في ذكر أو طاعة، وأهم عادة يلزم التخلص منها هو الإسراف في الأكل، فرمضان رياضة للنفس بالتقلل حتى تخف وتهب مقبلة على مولاها. وهكذا فالمفروض أن نزن عاداتنا بميزان الشرع، فنخلصها من شوائب الرياء والمفخرة وإشباع الشهوات وتقليد من سبق دون إدراك الغاية، لتتحول إلى عبادة، لأنها وسيلة لتيسير العبادات والتعبير عن تعظيم شهر القربات، فنحتفظ بالعادات التي تخدم هدف حصول القربى والمغفرة ونترك ما دون ذلك، نفرح بالقرآن وأهله ونشجع الصبيان على الصيام الأول؛ بما يليق بتعظيم هذه الشعيرة؛ حتى تترسخ ذكراها الجميلة في نفسية الأطفال، فينشؤون على حب شهر الصيام، كل ذلك وغيرة بوسط واعتدال مع استحضار طلب وجه الله وسعيا لنيل رضاه، على هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم وبعيدا عن البدع.
خـــــــــــاتــــــــــمــــــــــة
شهر رمضان فرصة للتوبة من الذنوب، وأيضا فرصة للتوبة من العادات المهلكة التي تقيد حياتنا وتصرفاتنا، فهو فرصة سنوية للتدريب على حياة جديدة منظمة وميسرة، وهذا يحتاج إلى وضع برنامج تتوافق عليه الأسرة، فتكون الغاية اغتنام الشهر في الطاعات والتخلص من العادات الجارفة المؤذية.