“رمضان للخير عنوان”

إن رمضان هو شهر التغيير حيث يعطي الإنسان مساحة لكي يعيد ترتيب حياته بعد أن جعلتها الأحداث اليومية المتسارعة عبارة عن لعبة “بازل” مجزءة لأطراف عدة. إنه فترة فيها يختلي الإنسان بنفسه ومع ربه لتجديد العهد بالله تعالى وإعادة الصلة به من خلال توبة نصوح يخرج منها العبد كطفل ولدته أمه. حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (سورة الرعد الآية 28) فعن هذه الطمأنينة والراحة يبحث الإنسان اليوم من خلال عدة وسائل وآليات، لكن الحل بسيط فبذكر الله وتذوقه تطيب لنا الحياة وتتغير نظرتنا للأشياء التي أصبحت نظرة مادية خالصة تجرد الإنسان من جوهره.
دون أن ننسى علاقتنا بالناس التي يجب أن تتجدد وتنثر عنها غبار كل حقد وبغض وخصام… فلا صلح بين العبد وربه ما دامت علاقاتنا بالآخرين تحتاج إلى إعادة النظر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر” رواه مسلم. وما أحوجنا إلى مثل هذه العلاقات التي تمثل أصل ديننا، علاقة يملؤها الحب والود والرحمة والإخاء، يسيجها التعاون والتزاور والإحساس بالآخرين، بعيدا عن مطرقة الأحكام القاسية التي أصبحنا ننزلها بدون حق على كل من يمر بطريقنا. فديننا الإسلامي دين رحمة وتماسك ورفق وحب. حيث يقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه. رواه البخاري ومسلم. وهو حديث يحتاج إلى التأمل والتبصر لتصحيح نظرتنا إلى العلاقات بين بني البشر. وإزالة كل أمراض القلوب من شحناء وبغض وحسد وحقد… فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ( آل عمران من الآية: 159).
كما أن رمضان هو فرصة طيبة لفعل الخيرات بكل أنواعها. وإعادة إحياء السنن النبوية العطرة إقتداء بحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. الذي كان دائم البشر، حزنه في قلبه وبشره في وجهه، قال هند بن أبي هالة ـ رضي الله عنه ـ: ” كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دائم الْبِشْرِ، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب “. فما أحوجنا إلى التمثل بسنتك يا رسول الله في زماننا هذا. الذي أصبحت فيه التجاعيد تملئ وجوه العباد بكثرة شد الحاجب وإخفاء سمات الفرح والسلطة، أخدتنا الدنيا بين يديها وشكلتنا نسخا مشوهة بعيدة كل البعد عن الإنسان الذي يحيا بذكر الله وسنة رسول الله ويمشي في الأرض متفائلا مبتسما حيا بنور الله…
ومن أجل الأعمال مساعدة أخيك المسلم وتفريج كربه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من فرج عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه رواه مسلم. فكم من مسلم كان غارقا في هم أو ضيق أو كربة ففرجت عنه وهو لا يدري كيف ومن أين… إنها رسالة من الله لك لأنك في يوم من الأيام قد فرجت عن أخيك كربة من كرب الدنيا ولو بكلمة طيبة أو مساعدة بدت لك هينة فهي عند الله عظيمة.
إن الصدقة هي من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وقد جعلها الله تعالى في أعمال قد نفعلها كل يوم دون أن نبالي لأجرها عند الله تعالى، فمثلا إماطة الأذى عن الطريق صدقة وإبتسامة في وجه أخيك صدقة وشق ثمرة تهديها لصديقك في المسجد صدقة، فقط النية من تحكم فكم من أعمال بعلو الجبال نفعلها لكن لا نجدد فيها النية فتذهب هباء، إجعل كل عمل تقوم به مهما بدا لك بسيطا عملا لوجه الله.
ونحن في رمضان لا ننسى حسن معاملتنا لأهلنا. أسوة برسولنا الكريم الذي كان خير زوج وأب وجد. ملأ حياة أهله بالرحمة والرفق والإحتضان وحسن المعاشرة والحب والحنان لكل أهله. وأوصى بذلك حين قال صلى الله عليه وسلم “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.