أذواق رمضانية

“رمضان كريم وكل عام وأنتم بألف خير” تبريك لطالما تتلقفه مسامعنا أو تنطق به أفواهنا بحلول شهر الغنيمة والخير والبركات بصياغات قد تختلف في المبنى لكنها تتحد في المعنى المقصود به الفرح بهذا الشهر الكريم الذي نسأل الله عز وجل أن نعز فيه ويرفع مقته وغضبه عن الأمة وأن لا يولي أمورها سفهاءها بل من يحرص على مجدها وعزها ونصرتها ووحدة صفها.
كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون الله تعالى أن يبلغهم رمضان شهورا قبله ويعيشون أنواره شهورا بعده حتى إن هممهم لترتبط العام كله به لاستشعارهم عظيم مكانته التي تربوا عليها على يد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وحتى يعملوا فيه ويجتهدوا في الطاعات ويستمدوا من أنواره ويغنموا أجره الذي يضاعفه الله تعالى في شهره هذا أضعافا كثيرة. هو الكريم سبحانه .
هذا عندهم، لكن لطالما تلتصق عندنا صورة هذا الشهر الكريم في بعض المخيلات بالأكل والشره فيه، والليل والسهر فيه، والنهار والنوم فيه، والوقت والحرص على عدم الاقتصاد في انفاقه.
كنت البارحة أقضي مآرب لي فإذا بشخصين يتجولان ويتحدثان بصوت مرتفع عن عدد ما أفنوه من الوقت فإذا بأحدهما يقول للآخر: “ما “قتلت” يا صاحبي في كل هذا المسار غير ربع ساعة و لايزال يلزمنا قتل المزيد من الوقت انتظارا للغروب”.
عجيب كيف تحول ذاك الحرص على ملء الأوقات بالعبادات والطاعات والانتصارات إلى مجرد حرص على إنفاق الأوقات بلا رقيب انتظارا لوقت المغيب من أجل شرب سيجارة أو ملء البطن كله طعاما وشرابا في سباق مرير مع الزمن قبل وقت الإمساك من جديد.
رمضان شهر تُتعلم فيه خصال النبوة بامتياز من جود وكرم وصبر ورحمة واقتصاد واعتدال في كل شيء وصلة الأرحام تأسيا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيه يتنافس الناس على ارتياد المساجد و”أذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان” ولكن ما أكثر ما يسمع لغط الناس ولغوهم قبل الصلاة وبعدها و ما أكثر تدافعهم وتخطيهم لرقاب بعضهم البعض، كنت وقريبةٌ لي واقفتين في صف والمؤذن يقيم الصلاة فإذا بالتزاحم يبلغ مداه وبامرأة تندس بيننا للصلاة طاردة قريبتي إلى الصف الموالي وكان في الصف وراءنا متسع كبير بالإضافة إلى كونه كان محاديا للباب يسهل على من أرادت الدخول في الصلاة أن تصطف فيه.
أنوار هذا الشهر عظيمة وبركته عميمة تظهر على الوجوه والأحوال غير أن البعض يتخذ هذا الشهر “فرصة” للإساءة إلى الآخرين وإذايتهم، ويفتح فمه على مواويل الشتم والسب واللعن تحت مبرر أنه صائم وأنى له أن يكون! فالصيام جنة وطهارة وإمساك كذلك عن قول الزور والعمل به.
ورمضان ختاما فرصة دولتنا الموقرة لإلهاء المواطنين عن قضاياهم المصيرية واحتياجاتهم الجوهرية وحقوقهم الطبيعية فتجدها ناصبة في ليالي المدن الرمضانية بين منصة الفرجة والبهرجة ومنصة أخرى منصة. يا لاستواء أحوالنا وهنائها حتى لا نجد ما نقوم به غير التجوال بين بؤر الفساد والعهر والرقص المخزي، إنها بحق تذكرنا بمضمون مثالنا المغربي القائل:” آش خصك ألعريان خاصني خاتم أمولاي”.
ما أحوج هذا الشعب المفقر وفي ظروف كهاته تعيشها الأمة وفي شهر ربنا الكريم هذا إلى أجواق حتى يتم يومه السعيد بسعادة الرقص و المغنى “إحياء لروحه” ونسيانا لهمومه!
وكل رمضان وأنتم بألف خير.