قدرٌ وسط السُّجون وألمٌ خارِجٙ أٙسْوارِه

أن تكون في مؤخرة المسيرة لن تتمكن من فهم كل تلك السمفونية المعزوفة بين صفوف من لبوا النداء صباح الأحد..
لن تفهم تلك المعاني وحجم الألم والحزن تجاه أن تكون مَحَطَّ إشارة تُدْخِلُكَ في خانة اسم المفعول المُصَاغ من الفعل المبني للمجهول صورةً، والمعلومِ واقعا وعيانا: إسم المفعول “مُعتَقَلٌ”، ولن تفهم جيدا ولن تعيَ ثقل هذا الإسم في أن تكون لك نسبة له بأي شكل من الأشكال.
في بضع خطوات تقدمك إلى الصفوف الأمامية وفي مقدمة المسيرة سَتُجْذَبُ جذبا وستقف وسَتُجَمَّدُ مكانك.
سَتَرْقُبُ عينك نساء سبعينيات أخذ منهن الزمان عتيا وتعبا، يتقدمن بكل عزم وحزم يَجْرُرْنَ وراءهن كل المسافات التي قَطَعْنَها من شرق المغرب إلى عاصمته غربا. إحداهن ترتدي صورة ابنها على صدرها والأخرى تحملها بين يديها وأخرى تتمسك بالصورة بين ذراعيها، وكأن كل واحدة منهن تستصرخ كل ضمير حي في العالم “أن أنقذوا ابني قبل أن تنال منه ظلمة ووحشة السجون”. كل واحدة منهن تقف وقفة جبل شامخ لايهزه الريح ولايأخذ منه شيئا، تحمل قضية ابنها على عاتقها وتدافع عنها وعن براءته وحريته المُبَطَّنَةِ بحرية جهة، بل وطن بأكمله.
تأخذ إحدى الأمهات منبرا لتعبر عن حجم مصابها وكم معاناتها إذ تقول: ” سجنوا ابني وجل أبناء الريف لأنهم طالبوا بشغل ومسكن ومشفى، هم لم يسرقوا ولم ينهبوا ثروة ولم يستغلوا منصبا ولم يقتلوا أحدا ولم يغتصبوا أرضا، هم خرجوا ليطالبوا بثلاثية تضمن لهم العيش الكريم الذي تكفله الإنسانية”.. أخذَت نفساً ثمَّ استطْرَدَت “لدى الوطن ما يبنوا به ثلاث “حسيمات” أخرى فلماذا اختاروا أن يختطفوا أبناءنا ويسجنوهم وكأنهم مجرمون ونحن الذين تعبنا من أجلهم ومن أجل تربيتهم حتى نُقِرَّ أعيننا برؤيتهم أمام أعيننا يعيشون في سلام؟! لقد دمرونا ودمروا أبناءنا.. عشرون سنة قاسية! ”
اختتمت كلامها مُحَسْبِلَةً واستنكرت ثم ختمت بقولها “اللهم إن هذا لمنكر” وهي ترتعش وكأن فَلْذَةَ كبدها تتحدث، وعينيها يملؤهما الإصرار والتحدي والمقاومة.
في نهاية هذا المشهد..
لا يمكن القول إلا أن الأمر جلل، ومهما تصورت العقول حجم المعاناة لن تصل لواقع الأمر على أرض الواقع، معنى أن تخرج مطالبا بحق فَيُقْبِروكَ ويُقْبِروا أحلامك وأحلام محبيك.
ستكون شعلة تحترق من أجل أن تضيئ طريق من يلحقوك في المسير، تحترق ذاتك وتحترق ذوات من حولك فقط إن كنت حاملا لقضية وحالما للخير والأفضل للوطن، أما هم فيريدونه هكذا ولهذا سيجعلون كل من تفوه يدفع الثمن.