المؤمنة وطلب الكمال الإيماني والخلقي 1

مدخل عام
بين يدي المفهوم
المفهوم لغة واصطلاحا
المفهوم عند العلماء
الكمال الإيماني والخلقي
الكمال الإيماني
الكمال الخلقي
استنتاجات وخلاصات
مدخل عام
لقد خلق الله عز وجل الإنسان وفق نظام شامل كامل لأربعة جوانب رئيسية هي : العقل ، والقلب ، والنفس ، والجسد ؛ مكونات متكاملة و مكتملة مع انطلاق بداية الإنسان لملامسة قشرة الأرض وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 13
هذه الجوانب الأربعة تحتاج إلى دوام تعهد وإمداد يترك فيها أثره الدائم لتحقيق الغاية من وجود الإنسان على الأرض وهي العبودية لله عز وجل.
وتجلي الأثر الإيجابي لهذه الجوانب عند المؤمنة الطالبة للكمال يحتاج ويستلزم سلوك طريق التربية . التي تعني حسب بعض العلماء تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا ، وتعرف أيضا بكونها الأداة التي تقوم بإحداث تغيير أو أثر دائم في الشيء.
أما عند الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله فالتربية تنميةُ الإيمان والطموحِ ..التربية صعود إراديٌّ وتصعيدٌ مستمر. التربية اقترابٌ من الكمال وتقريب. التربية قَدْحُ زِنادٍ في القلب والعقل، إشعالُ فتيلٍ، تعبئة طاقاتٍ فرديّةٍ لتندمج في حركية اجتماعية يَعْمَل فيها العاملون بجهْدٍ مُتكامِلٍ ينفع الله به الأمة) . 14
مفهوم الكمال لغة واصطلاحا
مفهوم الكمال لغة حسب ابن منظور يراد به: التَّمام، وقيل: التَّمام الذي لا يتَجَزَّأَ ، ويقال: كمل الشيء يَكْمُل، وكَمِل وكَمُل كَمالاً وكُمولاً، وشيء كَمِيل: كامِل، جاؤوا به على كَمُل.
و الكمال اصطلاحا هو الملائم النابع من تمام الصفات والتناسب والتناسق، في أجزاء الشئ وعناصره وخصائصه ووظيفته التي يجب أن تتسم بعدم النقص.
ويجد الباحث في اللغة العربيّة أكثر من كلمة متقاربة مع أخرى وغير مترادفة لها في المعنى منها “الكمال والتمام”. ويقابلهما كلمة واحدة وهي “النقصان”، تُستَعمل تارةً ضدّ الكمال وأخرى ضدّ التمام. فيُقال تارةً “هذا كامل وذاك ناقص”، وأخرى “هذا تامّ وذاك ناقص”، وقد ذكرتا معاً في القرآن الكريم في آيةٍ واحدةٍ، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينا 15 ولم يقل “اليوم أتممت لكم دينكم” أو “وأكملت عليكم نعمتي” ولو ذكر ذلك لما صحّ لغة .ف “لتمام” يُراد به التعبير عن تحقّق جميع الأمور اللاّزمة لصيرورة شيء غير ناقص من جهة ماهيّته وحقيقته، فلو لم يتحقّق بعض هذه الأمور وُصِف الشيء بالناقص .
وأمّا “الكمال” فيُراد به التعبير عن الدّرجات الّتي يمكن أن يصل إليها الشيء بعد تمامه، ولذلك فلو لم يكن الشيء كاملاً لم يعنِ ذلك أنّه غير تامّ، بل هو تامّ. وعندما يُقال أنّ فلاناً قد كمُل عقله فلا يعني أنّ عقله كان ناقصاً والآن أصبح تامّاً، بل يعني أنّ عقله تامّ إلّا أنّه قد ارتقى في سلّم الدرجات.
مفهوم الكمال عندالعلماء
* ابن القيم الجوزية:
إن الله خلق الموجودات وجعل لكل شيء منها كمالا يختص به هو غاية شرفه فإذا عدم كماله انتقل إلى الرتبة التي دونه واستعمل فيها ، فكان استعماله فيها كمال أمثاله ،فإذا عدم تلك أيضا نقل إلى ما دونها ولا تعطل، وهكذا أبدا حتى إذا عدم كل فضيلة صار كالشوك وكالحطب لا يصلح إلا للوقود..
* حسن البنا رحمه الله:
“العقيدة أساس العمل. وعمل القلب أهم من عمل الجارحة. وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا وإن اختلفت مرتبتا الطلب”.
* أبو راتب النابلسي :
أن تحب الكمال شيء، وأن تكون كاملاً شيء آخر، أن تكون كاملاً هذا صبغة، وأن تحب الكمال فهذا فطرة، فكل إنسان في الأرض مفطور على حبّ الكمال، أما المصبوغ في الكمال فهذا الموصول بالله عز وجل، وأيُّ إنسان يحب الكمال، حتى الكافر.
يا داود ذكِّر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها 16
الكمال الإيماني والكمال الخلقي
الكمال الإيماني
بعد التخلي عن الشرك وكبائر الإثم تسعى المؤمنة إلى تحقيق الكمال بالبحث عن الطريق الموصل إليه المتمثل في الإيمان الكامل والعمل الصالح تطهيرا لروحها ، وتزكية لنفسها ، لتجديد الإيمان وتقويته، والإكثار من العمل الصالح،” إِنَّ الإيمانَ يخلَق في القلب كما يَخلَق الثوب. فجددوا إيمانكم”.و في رواية :” إن الإيمان لَيخلَق في جوف أحدكم كما يخلَق الثوب. فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم”. 17
يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله إلى النماذج الكاملة تشرئب أعناق المؤمنات والمؤمنين. إلى مريم ابنة عمران وصويْحباتها في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر. وإلى الأكملين المرسلين تَرْنُو أعين المؤمنات والمؤمنين، تتعلم الأجيال أن تقتحم، سِباقا مع أبناء الدنيا، عقبات كسب القوة في الدنيا، وعين القلب على من جعلهم الله لنا أسوة. تلك التعبئة الجهادية وحدها تَعزّ بها الأمة، ويشرُفُ بها مثوى المؤمنات والمؤمنين في جنات ونهَرٍ في مقعد صدق عند مليك مقتدر). 18 لذا لا نفتأ نذكر بأن سلوك العبد إلى اللّه عز وجل، وما يطلبه السلوك الإيماني الإحساني من تربية، من ذكر، من ترقيق القلب بالمداومة على الذكر، هو معنى المنهاج واتجاهه وغايته.)ونؤكد على أهمية طلب العبد في صفوفنا للرقي من إسلام لإيمان لإحسان. نعلمه ذلك الطلب، ونساعده عليه، ونماشي عليه خطاه، ونخصص لإحيائه في قلبه وقتا وبرامج ونشاطات، بل نجعل ذلك الطلب عبير جو العمل، وريحانه رياضه، وحادي سيره، ونجي خلواته، وشعار جلواته). 19
عن سيدنا أنس رضي الله عنه: “ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله ؟، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يعود في النار” 20
ويعلق الإمام: نرى نحن أن انضباط المؤمنين والمؤمنات بضوابط الشرع والارتباط بروابطه هو ميزان التحرر من كل عبودية إلا لله عز وجل، ونرى أن تلك الضوابط والروابط هي بنود عهد وميثاق مبرم بين الله وعباده التائبين الناشئين، يشد أزْرَ جماعة المسلمين بمدده الرباني المتجلي في الولاية والمشاركة في التناهي عن المنكر والتآمر بالمعروف.)روابط وضوابط تضم في رفقها وأخوتها من اختاروا السعي للآخرة، والجهاد في سبيل الله). 21
ويضيف مرشد العدل والإحسان رحمه الله التربية الإيمانية الإحسانية شيء آخر غير التدريب.)غير التدريب الفكري.)غير التدريب الحركي.)غير التعليم السطحي.)غير التنشيط الجماعي.)غير كل هذه الجزئيات، مما لا بد منه، ومما يتوسع فيه الناس حتى يصبح هو التربية)الغاية أن يعرف العبد ربه، بأن يتقرب إليه حتى يحبه سبحانه، ويكرمه بما يكرم به أولياءه.)وكل القربات من أقوال، وأفعال، وأحوال، وأخلاق، في جوف هذه الغاية، وفي طريقها، ومن شروطها.)بضابط الكتاب والسنة والاتباع.)وكل ما يسميه لسان الاصطلاح تربية دون أن يحقق هذه الغاية فليس التربية التي نقصدها.)لنعرف هذا، ولنعرف أن المسلمين والناس أجمعين متفاوتون استعدادا للسمو الإيماني وقابليات الكمال وهي «قدم صدق» حسب التعبير القرآني. أي ما سبق في علم الله لكل فرد فرد من أسباب السعادة). 22
ويرشد الإمام المؤمنة لطلب الكمال :
استكملت الإيمان من أصبحت أعمالها مطهرة من النفاق، مخلَصة لوجه الله تعالى. بواعثها القلبية لا تُكذِّب أفعال جوارحها. تعرض كل أفعالها على الشريعة لتتأكد من أن ما تأتي وما تذر، ما تعطي وما تمنع، ما تحب وما تبغض، لا يُملي الهَوَى والشيطان أوامره، ولا توسوس به النفس المُراوغة الممانعة لمقتضى الشرع.)إنها أعمال قلبية تزكي الأعمال الجوارحية، إنه إخلاص الوجهة لله تعالى، إنه إمساك واستمساك بالعروة الوثقى بدل التشبث بحبال الدين الرث البالي.)إخلاص الوِجهة لله تعالى نية وعملا هو لب الإيمان وقلبه، فإن تحرّت أمة الله الصواب الشرعي في عملها فهي على طريق الصلاح. رائدها ومَرْمَى طرْف إرادتها أن تكون مرآتها التي تجلو لها أحوال إيمانها قولُه تعالى يأمر نبيهُ ويأمرنا:)قل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. 23 . 24 يتبع…
[2] حوار الماضي والمستقبل ص 100.
[3] المائدة/ 3.
[4] حديث قدسي رواه البيهقي عن عمير بن وهب.
[5] رواه الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك.
[6] تنوير المومنات ج 2 ص 289.
[7] عبد السلام ياسين مقدمات في المنهاج ص 50.
[8] متفق عليه.
[9] حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص 103.
[10] مجلة الجماعة العدد12 ص 19.
[11] الأنعام، الآيتان: 164- 165.
[12] تنوير المومنات ج 2 ص 6.
[13] النحل/78.
[14] حوار الماضي والمستقبل ص 100.
[15] المائدة/ 3.
[16] حديث قدسي رواه البيهقي عن عمير بن وهب.
[17] رواه الإمام أحمد والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك.
[18] تنوير المومنات ج 2 ص 289.
[19] عبد السلام ياسين مقدمات في المنهاج ص 50.
[20] متفق عليه.
[21] حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص 103.
[22] مجلة الجماعة العدد12 ص 19.
[23] الأنعام، الآيتان: 164- 165.
[24] تنوير المومنات ج 2 ص 6.