نافذة الروح

تتوارد خواطر ما في الضمير ..قد ينسج صورة لعين الحبيب إذ هي نافذة للروح ..للحركات المكتومة في طي الزمان..تضيء بين الفينة والأخرى لذاكرة تشكل ما تحب عمن تحب ..ليكون الماضي صنع قلب ناظر بنوره أو ظلمانيته..وليكون الحاضر ارتفاع وجود من فنى عن وجوده..فكان بقاؤه جهادا إذ لعل الروح في خفتها ودت أن طارت للملكوت الأعلى ليبقى الشبح سائرا صابرا..إلى حين..بكى الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه يوم فتح المسلمون قبرص فسأله رفيق المعركة سيدنا عبد الرحمان بن جبير رضي الله عنه عن سبب بكائه فقال:
“ويحك يا جبير ! ما أهون الخلق على الله إذا هم أضاعوا أمرهم، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى“.
..لم تأخذه نشوة النصر وفرحة الأمر الواقع أن ينظر ويعتبر ويتعظ ..فلله در تربية القلوب وتعلقها بأمر ربها عز وجل..رأى الحكمة ففاز ببصيرة نافذة..من المؤمنين رجال صدقوا.. صدق الله العظيم.
للصحبة ذاك الشأن العظيم إذ تتغلغل في سويداء النفس فتطهرها من أنا اعتزازها بزهو فارغ وكيان هش..فتعمرها بلا إله إلا الله..ترتفع إلى حضور الوجدان وإقراره وثباته إلى أن تتفجر أنوار التصديق في إشارة وكلام وصمت وكل أمر صاحبها..لا يسهل السير إلا في معية صحبة تقرب الطريق وتدل على أيسر المسالك..عن الصدق وأهله يشير الإمام عبد القادر الجيلاني رحمه الله: “إشارة الصادق فصاحة لسان معرفته“
..قد لا يهم ظاهر حال مفتون بقدر ما يعتبر المحب الباحث بصدق من نال عجيب ألطاف ومعارف من الله عز وجل..كيف الوصول ..ثم كيف الثبات على حال الافتقار ومزيد تعرض واستزادة من صاحب الكرم والإنعام عز وجل..وقبل هذا وبعده..طلب الله بالله..فمهمة الصاحب أن تدُلّك وليدا وتصبر على عثراتك تحبو تسقط..تتعلم الكلام وتخلط بعضه..تجرب وتفشل ..إلى أن يشتد عود إيمانك/ يقينك لتكون عروسا بعد أن يأذن الله لمن هيأه للكمال ..
..
ولعلها لا تغني أوصاف المراحل أو ترتيبها ..إذ تكفي الآية الكريمة..إلا من أتى الله بقلب سليم..فترى جمال وصف الله جل جلاله لمسالك تطول عمرا ..ينادي المولى عز وجل عباده أن اليسر أقرب لمن أتى محبا.. يحبهم ويحبونه
..عجلة تدور ..وتظهر صورة الآخرة وعدا شامخا لا يتبدل..تتلاشى مظاهر الترف الفارغ والسعي المكدود المهدود لنفس متعبة في دنيا عما قريب تزول..لكنه الاطمئنان في صف من رضي بالله ربا وبطريق النبيئين والمرسلين والمرضي عنهم سبيلا..فبهداهم اقتده..
..غرض أهل الله أن يجلوا لك صورة الدنيا بهوانها حين تدخل عالم الآخرة..تلتفت لترى قبحها..فما دمت مع الدنيا فأنت في غشاوة زيفها..إنسلخ منها، من جاذبيتها لترمقها على خستها فتنفر منها سجيتك وفطرتك..ولأجر الآخرة خير للذين ءامنوا وكانوا يتقون..
“من فتح له باب من الخير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه“.
للإمام عبد القادر الجيلاني رحمه الله: البحث”يا قوم انتهزوا واغتنموا باب الحياة ما دام مفتوحاً عن قريب يغلق عنكم.
إغتنموا أفعال الخير ما دمتم قادرين عليها. اغتنموا باب التوبة وادخلوا فيه ما دام مفتوحاً لكم. اغتنموا باب الدعاء فهو مفتوح لكم. اغتنموا باب مزاحمة إخوانكم الصالحين فهو مفتوح لكم.
يا غلام لا تكسل فإن الكسلان يكون أبداً محروما والندامة في ربقه. جوّد أعمالك وقد جاد الحق عزَّ وجلَّ عليك بالدنيا والآخرة“.
“اللهم اشغل جوارحنا بطاعتك، وقلوبنا بمعرفتك، واشغلنا طول حياتنا في ليلنا ونهارنا. ألحقنا بالذين تقدّموا من الصالحين، وارزقنا ما رزقتهم، كن لنا كما كنت لهم آمين“.