الإمام المجدد جامع الشَّتات وفاتح الآفاق

في زمن تشتَّتتْ فيه الأُمَّة أشلاءً وأظْلمَ الأُفق فلا تكاد تَجِدُ مُستبشرا بغدٍ تُشرِق فيه أنوار الحرية وانعتاق الرقاب من قبضة التبعية لمستعمر يستنزف الخيرات تَبرُز مسيرة رجل يَرفع شعارا وخطَّة سوف يفصل بهما بين ماضي الهوان ومستقبل واعد وباعث للأمل المفقود.
يحيي الله الأرض المَيْتة ويأتي بالفرج من حيث لا يحتسب المحتسبون، ذلك موعد الأمة والإنسانية مع مَنفذٍ لتفادي كارثة وشيكة. كتابات الرجل تَخلُص بالقارئ لمدى اطلاعه واستيعابه للتجربة الإنسانية برُمَّتها واستنتاجه مكامن الضعف والقوة التي اعتمدها لإرساء قواعد خطة التغيير.
تشخيص مُفصَّل لداء الأمة وموقفِ حضارةِ العصْر المُخجلِ المُذلِّ للإنسان رغم تطوُّر علومه ووسائل عيشه، تنضاف إليه عودةٌ للمنهاج النبوي لإعادة بناء الفرد والمجتمع وتحقيق توازن السلوك الفردي ومسار الجماعة عبادةً وسعيا في الأرض لتحقيق العدل. لحظة حاسمة في تاريخ المسلمين تُنقذ فيها روح الصوفية الأصيلة من عزلةٍ أَمْلتْها ضرورةُ الإنزواءِ بعيدا عن بطش سيف الحُكمِ المتوارث وتُهيِّئ لعودة الحكم لأحضان الشورى وعودة حق معرفة الله للخلق أجمعين. تَقييمُه لمكوِّنات الأُمَّة كان بقدر ما يحتاجه الموْقفُ من دقَّة في الإنصاف ومَدِّ جسور التواصل لاستشراف أُفُق جمع الشملِ في الغد القريب.
لم يتوقف إنجاز الجبل الشامخ عند الوصف والنقد والتأليف لكنه ربى جيلا من الرجال على ربانية تَسري بين القلوب مسرى الماء الذي لا يمنعه حاجز وعلى قول كلمة الحق والثبات عليها فأمضى السنوات الطوال بين السجن والإقامة الجبرية. تربية تجمع للمسلم ما تَشتَّت قرونا بين عقله وقلبه فتمنحه وضوحَ الإتجاه وموازنةً بين واجبات الدنيا والآخرة وحكمةَ التعاطي مع أولويات المراحل والمواقف بعيدا عن مظاهر التَّديُّنِ الشَّكلي الفردي الفارغ من روح الإيمان المليء برديء الفكر وما لا يُغني وحدَه من الصُّحُف المُكدَّسة.
للعالَم مَوعدٌ مع فِكر الإمام الرصين حين يخِرُّ جَسد الطُّغيان الجاثي على الأُمَّة وينطلق حاملو مشعل “الشهداء على الناس” ليُسْهِمَ بقِسْط وافرٍ في بناء نظام إنساني جديد تَلتحِم فيه جهود الفُضَلاء وتُغيثُ المُستضعفين من ضيق جُور المستبدِّين.