ذكرى غالية وأشواق عالية من المدينة المنورة

حينما دخلت الروضة الشريفة هذا العام، حيث الناس يدعون لأنفسهم ولأهليهم ولآبائهم، لم أنس الدعاء لمن علمني أدب الدعاء لكل خلق الله ولأمة رسول الله. هناك فاض شوقي لمعلمي وسلمت على رسول الله معلنا نسبي لمن رباني، ارتعش قلبي حبا وفاضت عيناي شوقا، ثم حملت قلمي وكتبت مايلي:
ذكرى المرشد الحبيب غالية، تحيي فينا أشواقا عالية. نكون مواتا تلتهمنا الدنيا الفانية،فنصبح أحياء بتذكر الأيام الخالية.
ذكرى رحيل الإمام تذكر نا بالحياة الدائمةو نستصغرالحياة الفانية. مصداقا لقول الله عز وجل في سورة الأَنْعَام: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، الآية 32.
منا من يعيش ذكراك في السنة؛ فيكون موسما للقاء الفضلاء وتواصلا مع الأغيار، ومنا من يعيش ذكراك في كل ثانية يتذكر وصيتك الغالية ويعتبر بمقتضياتها ليحمل مشعل نور أضأتَ به الطريق، وجعلت السراج أمانة في أعناقنا نحمله للأجيال الموالية.
ذكراك مرشدي، يعتصر فيها القلب أسى وفي نفس الوقت يبتهج فيها الفؤاد فرحا بالله. ذلك لكون كلِمِك المبثوث فينا جعلته زرعا في القلوب على الدوام، وسقيته بماء المحبة رغم مرور الأزمان، وحصنته في محضن الجماعة المربية في كل مكان. فأصبحت الكلمة الطيبة زرعا طيبا تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ مصدقا لقول الحق سبحانه في سورة إبراهيم: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِالآية24.
سمي الإنسان إنسان لأنه جُبل على النسيان. فالزمن يفعل فعله في الإنسان وينسى كل من كان بيننا من الأخيار.
لكن الإمام يستعصي على النسيان؛ لأنه كان من كان… فلن تُنسينا إياه برازخ الموت من لحود وعقود.
لن أنس أبدا ابتسامتك التي تذهب الأحزان.
لن أنس أبدا نظرتك التي تفتح العين للنظر إلى ما عند الله، وعدم التعلق بما عند الناس.
لن أنس أبدا جلستك وتوجهك بجسدك كله أدبا وتقديرا لمن يجلس أمامك منكسرا، ترفع رأسه للأعلى للقيام بين يدي الله، وتجبر كسره حتى يستقيم عوده، وتفتح مغاليق قلبه ليكتسب روح المحبة، وأنت القائل:(روح الصحبة المحبة)، كما تفتح مغاليق عقله ليكتسب نور العلم، ليقتحم العقبات بحكمة عقلية ورحمة قلبية،
كم تمسح دمعة اليتيم حتى يندمج مع أخِلائه المتقين الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَالزخرف، الآية 67.
لن أنس أبدا كيف احتضنت الوالد والولد، فأصبحنا بفضل الله قرة العين وأصبحت الهواء، نتنفس بنفَسك، ونسترشد بعلمك ونستهدي بحلمك… فكيف لمثلي أن يتخلص من جلباب أبيه؟
كلما اثاقلت النفس إلى الأرض، انتشلها قولك البليغ من دركات السقوط إلى درجات النهوض، وذكرتنا بقول رب العزة في سورة التوبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، الآية38. وذكرتنا بحياة صحابة رسول الله رضي الله عنهم أجمعين، حينما يكونون في حال ويصبحون على حال حينما يستمعون لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا وترهيبا، والذين وصفهم الله تعالى في سورة الزمر بقوله سبحانه: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ، الآية18.
كلما سمِعت الأذن نداء الصلاة تذكرنا حالك مع المنادي واستجابتك للنداء فنهرول إلى المساجد.
كلما نادى المنادي ( أن حيّى على الفلاح) نستحضر هبّتك ونقبل على الخير وأهله ونَفِر من الشر وشيطانه.
وهبك الحنان المنان من عطاياه الكريمة؛فأعطيت منها بسخاء. ربيت وأرشدت من جالسك على منهاج النبوة، فكنت نِعم المرشد ونِعم الإمام.
رحمك الله مرشدي رحمة واسعة، ورحمنا الله بك في الدنيا والآخرة، وجعلنا على أثرك إلى أن نلقاك راضيا مرضيا.
والموعد الله.
ابنك البار: نورالدين بن أحمد الملاخ