ذكرى وفاة..أو وفاء..

..يمضي الجسد ويبقى صدق العمل وسر الروح إذ فيها بثت تلك النفخة الربانية، فكانت سلسلة من الصادقين عقدت العزم على السير وربط الله على قلبها لتنير الدرب لخلق الله، بقية باقية من أثر النبوة وشهادة على الناس يوم يقوم الأشهاد.
إن الذكرى إذ تتجدد فإنها توقظ في المتأمل والواقف على الأحداث ينظرها بعين الباحث المشتاق لرسائل مولاه جل شأنه، فلذلك يظل سر الصدق ساريا من أولياء الله حتى بعد فراق الأجساد، تنفذ همتهم وصدقهم إلى ماشاء الله من قلب إلى قلب وراثة نبوية بقوة ارتباطهم بمنبع النور سبحانه يهدي الله لنوره من يشاء.
الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله مضى جسده الطيب ويخلد اليوم تلامذته ومحبوه وأبناء العدل والإحسان ذكرى الوفاء لهذا العطاء المتمثل بإذن الله عز وجل في أجيال إلى قيام الساعة سالكة على المنهاج النبوي، ومقتفية لقدم صدق من دلنا على الله عز وجل وحبب إلينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، فهل يتوفى الصالحون المصلحون الكاملون المكملون..؟!
تكون الوفاة لمن انقطع عمله وتوقف الملائكة الكتبة عن تسجيل ما كسبت يده، لكن الحبيب المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله تشهد له جموع بنيه والمتأثرين به ممن رافقوه في صباه وعمله وجيرانه وأقربائه وذويه، عن أياديه البيضاء وسيرته الناصعة المشرفة المشرقة، وهاهي ذي دعوته قائمة بحمد الله ومنه وكرمه يبرهن حاملوا المشعل على طيب غرس الرجل المبارك ورعايته للزرع، فلا تحبس الصلة برازخ الموت، صلة الحبيب بالمحبوب، وصلة التلميذ بمعلمه، وصلة الخليل بخليله، وصلة الأب ببنيه…
“عبد مفتقر إلى ربه راج عفوه“، هكذا عودنا في كلماته المتواضعة تواضع الكبار الذائقين للذلة للمؤمنين، فإذا كان الصدع بالحق فهو المسجون المحاصر سنين من عمره وبعد انتقاله للرفيق الأعلى، فتارة محاصر في مستشفى الأمراض الصدرية، وتارة في سجن لعلو، وتارة في منزله، حوصرت ولازالت تحاصر دعوة الرجل الصالح فما زاده التضييق إلا يقينا، يأتيه صديق الدرب سيدي محمد العلوي رحمه الله إلى السجن زائرا ومثبتا، ويصف له هذه المحنة داعيا بالقوة، فيجيبه الأستاذ المرشد رحمه الله: إنها منحة وليست محنة.
..طالما كانت دعوة الحق محاصرة، وكلما زاد التضييق صفت مشارب المضيَّق عليهم ليزيد التجاؤهم لله وتمحيص صفهم من الأمراض المخلة بالسير الحثيث للوجهة العلية السنية وجه الله عز وجل.
..هذه عناية الله عز وجل في اختيار الأسماء ومعانيها البانية، فهي ذكرى وفاء لعمل قائم وبنيان متماسك بحمد الله، ووفاء لبذل ودلالة وعمق وصفو هذا المشرب النوراني، فلا هو تباك ونوح ولا هو زهو وفخر، بل إنه فضل الله عز وجل.قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا
..رجل مثل الامام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، حق للأمة جمعاء أن تتبنى منهاجه ودعوته وما خطت يمينه في الأسحار وأوقات التعرض للنفحات، كتب ورسائل وبنيات أفكار لا هواجس وتخيلات، بل يقينيات في موعود الله عز وجل نابعة من قلب ذاكر ناصح أمين وقاف عند الشرع الحنيف، فنحن أبناء جماعة العدل والإحسان لا ندعي احتكار فكر الرجل، بل نعرضه على الأمة جميعا لتأخذ نصيبها من هذا الخير فتتحصل بركة الوفاء بهذا النماء ..وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ صدق الله العظيم.
مضاعفة خيرات أن يزكى هذا العمل الصالح والفكر المنور مادامت الوجهة الله جل جلاله.
..سقى الله من سقانا حب الله عز وجل والتمسك بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع ذكره في العالمين وجعلنا من أهل صدق الصحبة والوفاء. رحمك الله إمامي ومرشدي وأبي وقرة عيني إلى أن يقدر الله مولانا أن يجتمع الأحباب تحت لواء المتحابين فيه ومنابر من نور ودوام سرور.