المسلمة والخصال العشر «الخصلة السادسة: العمل»

للعمل في حياة المسلمة وجه واحد هو العبادة شريطة أن يكون خالصا وصالحا، ذلك أن ما من عمل تقوم به تبتغي به وجه الله تعالى إلا ويكون له أثره في نفسها وغيرها، وقد زكى الله تعالى العمل الصالح في قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [1] ويقول تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون [2] تقديرا لعمل المسلم وتثمينا لجهوده، وإيذانا بالقبول والرضى بما يقوم به. ومن تم يرفع الله العمل ويعليه: والعمل الصالح يرفعه [3]
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العمل وألح عليه، واعتبره مقوما أساسا من مقومات الفلاح في الدنيا والآخرة بالنسبة للفرد وبالنسبة للمجتمع، إذ له ذلك الدور الهام في التغيير، به تتأسس الحياة الكريمة، وعليه يدور امتلاك الخبرة والكفاءة في مواجهة تحديات الحياة، ومنه تتكون الشخصية المستقلة المؤثرة في الحياة.
ويعم الخير من العمل المسلمة وغيرها من الأقارب والأباعد، تحتمل لذلك الصعاب وتقتحم العقبات، فيكون للعمل أثره في الكسب والخدمة والطاعة وإقامة العدل في الأرض بما في العمل من تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، ولذلك نبه الإسلام الرجل والمرأة إلى عدم ترك العمل ونهي عن مد يد المسألة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه “[4] ويقول صلى الله عليه وسلم:” إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها” [5]
1 – عمل المسلمة تخطيط وإنجاز
تأخذ المسلمة نفسها قبل إنجاز الأعمال بالتخطيط لكي يكون العمل مثمرا، ويكون لديها: من الضروريات معرفة ما أمرنا الله به، ومعرفة كيف أنجز رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه ما أمروا به، ومعرفة طبيعة زماننا ومكاننا، وتكتلات أعداءنا، وأسلحتهم، وأحلافهم، وتحركاتهم، ومعرفة ما لدينا من قوة رجال وقوة وسائل، ومعرفة الفرص المتاحة لنا، وبركة الساعة وهي فضل الله بهذه اليقظة في مطلع هذا القرن. وبعد المعرفة الإنجاز) [6]
وتتبين المسلمة في ذلك أمورا هي: الوضوح في كل الخطوات. والإحسان: بمعنى الدقة والإتقان فيما تنجزه من عمل. الدقة في أوصافه الإحسانية من حيث الإيمان. ومعيار هذا موافقته لأمر الله ورسوله. ثم الدقة في مواصفاته العملية ليكون ملائما للهدف المرجو منه دنيا وآخرة… وعلى إحسان المؤمن العامل الصالحات لكل مهماته، وإحسان جند الله في كل الميادين، يتوقف مصير الأمة هنا ومصير المؤمن والمؤمنة عند الله) [7] ثم المسؤولية وهي مسؤولية أمام الله عز وجل، مسؤولية تتطلب التفاني في العمل والإخلاص فيه بما يحقق الأهداف ويوصل إلى الغايات.يقول الإمام رحمه الله: إنما يكون تصرفنا مسؤولا إن فضلنا الصدق على الكذب، والوضوح على الغموض، والتخطيط على الارتجال، وقلنا لأنفسنا وللناس أن بناء الإسلام جزاؤه الجنة بعد الموت، وأن جهاد بناء الإسلام لا بد فيه من عدل في قسمة التضحيات إلى جانب العدل في قسمة الأرزاق) [8]
إن عمل المسلمة يتجسد في حياتها الخاصة ويشمل محيطها الأسري والمجتمعي، تنطلق من نية صادقة للمشاركة الفعالة في مجالات تنافس فيها ذاتها وتتضامن مع غيرها ذكرا كان أم أنثى لاعتبارات تربوية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فبعد أن أخضعت أنظمة العض والجبر الرجل والمرأة وكبلتهما بقيود التبعية القاتلة، وأصفاد الاستبداد المهين، أضحى مشاركة المرأة في العمل الباني والمجدد والباعث على التحرر من تلك القيود ضروريا، حتى تضمن المسلمة موقعا مؤثرا لها في كل المجالات وعلى كافة المستويات، لكي ترتقي بالأمة إلى طلب الكمال الروحي والمادي والحضاري في ظل التنافس المحموم بين الأمم لإثبات التفوق والنجاح ورفع التحدي الاقتصادي والسياسي والفكري.
2 – المسلمة وتعدد الأعمال
من الجدير بالإشارة أن المسلمة تقوم بجلائل الإعمال وأكثرها أثرا في حياتها وفي واقعها المعيش، في حاضرها ومستقبلها ومستقبل أمتها، ومن تم كانت أعمالها متعددة الجوانب والمجالات، منها التربوي التعليمي، ومنها الإجرائي التطبيقي، ومنها الوجداني العاطفي، فتم لها بذلك هذا السبق والتميز، وكانت لها هذه الدفعة النفسية والشحنة العاطفية المؤثرتان فيما حولها.
فمن أعمالها المبرورة المرعية تربيتها للأولاد، ورعايتها لهم في جو يتطلب الاستقرار والطمأنينة والحرص والحذر المستمر، وقد تنبه الإسلام إلى دور المرأة في التأثير على الأجيال بتكريسها لوقتها وجهدها في ذلك. إن كان الكمال القلبي الإحساني غاية الغايات، ومثال ما ينبغي أن تعمل المرأة ويعمل الرجل لتلَقِّي عطائه من الله، فإن كمالَ المرأة الوظيفي وكمال الرجل، أبوَين مسؤولين مُرَبيين، هو غاية ما يراد منهما تحقيقه حفظا لفطرة الله، ونشراً لرسالة الله، وخدمة لِأمة رسول الله. ما يرفَع المرأة إلى القداسة إلا أمومتها، وما يرفع الرجل إلا أبوته) [9]
ومن الأعمال الجليلة التي تساهم بها في خدمة المجتمع، وتنتمي إلى مجال من مجالات العمل والخدمة، التعليم والطب والاقتصاد والسياسة، وغيرها من الأعمال المتنوعة التي تضمن لها المشاركة في بناء المجتمع وتقديم الخدمات الكثيرة والإيجابية.
ومن المنطقي أن توازن المسلمة بين عملها الكسبي وبين عملها التربوي، وبين أعمالها الدعوية والإشعاعية التي تتجاوز الحدود الضيقة للعمل الفردي. فتغدو من منطلق المسؤولية الذي حددتها الآية الكريمة: والمومنون والمومنات بعـضهم أولياء بعض. يامرون بالمعـروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله. أولئك سيرحمهم الله. إن الله عزيز حكيم [10] مشاركة للرجل مساندة له، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهذا من صميم العمل السياسي: ما هنا لكُنّ معشرَ المومنات من دليل يُقيلكن ويعفيكن من المسؤولية السياسية. إن كانت السنة المطهرة خصصت لكن مجالكن الحيوي حيث تزاولن أمانة الحافظية صالحاتٍ قانتات، فعموم القرآن أهاب بكن إلى تعبئة شاملة تدْعَمْنها بما يفيض من وقتكن وجهدكن بعد أداء واجبكن التربوي الأساسي. وليست تربية الأجْيال إِلا ترسيخا للمعروف وإبادة للمنكر. فأنتن تزاولْن السياسة في البيت والمدرسة والمعهد والجمعية الإحسانية وميدان الشغل والكسب -لمن كانت منكن كاسبة- أسمى ما تكون السياسة) [11] ومما يقوي حضور المرأة في ذلك التزامها بالعمل الجماعي المنظم، وهذا يحيلنا على الخصلة الأولى الصحبة والجماعة، على اعتبار أن الباعث التنظيمي الجهادي هو المحرك لعمل المرأة والمخفف لأعبائها في اقتحامها لجلائل الأعمال.
وبهذا يتضح لنا أن عمل المرأة المسلمة متعدد الواجهات يرفع مقامها عاليا في سماء البذل والعطاء والخدمة والجهاد والإسهام في رقي الأمة، بدءا بالتربية ووصولا إلى العمل الجهادي بمعناه السياسي، ومن تم وجب تخصيصها بكامل الرعاية والاهتمام تربية وتوجيها وعناية، وإنقاذها من الأمية والجهل والتبعية لتأدية مهامها على الوجه المطلوب. يقول الإمام – رحمه الله – : على المدى القريب تسمع المرأة ويسمع الرجل نداء الضرورة الحياتية، ونداء استقلال المرأة الاقتصادي لتأمَنَ غوائل الرجل في مجتمع الكراهية الذي كادت تنفصم فيه عُرَا التكامل والتراحم والتلاحم بين ذوي القربى والنسب والدين. وعلى المدَى الإصلاحيِّ لا بد أن نهيِّئ البيئة المناسبة، ونبرمج التربية الملائمة لتضطلع المرأة المسلمة بما يكلفها به نداء الضرورات الكسبية، وما يدعوها إليه نداء سعادتها الأخروية، مندمجاً كل ذلك متكامل) [12]
ويلخص الإمام – رحمه الله – خصلة العمل وشعبها في قوله: الخصلة السادسة: العمل: العلم إمام العمل هذا حديث شريف. إن القدرة على إنجاز المهمات لا يعتد به إسلاميا إن لم يكن العمل صالح الأهداف صالح الوسائل بميزان الشرع. لهذا فإن سياج الشريعة، وصوى الطريق، ضمان لحرية المؤمن وحرية الأمة في حركتها. من كانت اللذات والمنفعة المادية هدفا له في الدنيا فسيعتبر الشريعة التي تحوط عمل المؤمن من مولده إلى مماته في كل صغيرة وكبيرة قيدا كليا شموليا. أما من يعرف أن بعد الدنيا دار الجزاء وأن الإنسان خلق للسعادة الأبدية في الجنة فحريته يحدها في العمل بما يحقق غايته، بما يرضي ربه، وليس إلا اتباع الشريعة في تفاصيل أحكامها من سبيل. )شعب الخصلة: 47 التكسب والاحتراف.48 طلب الحلال. 49 العدل. 50 إماطة الأذى عن الطريق. 51 التواصي بالحق والصبر. 52 تأييد اللّه عباده الصالحين بالغيب. 53 البركة في أرزاقهم) [13]
[1] سورة النحل: 97.
[2] سورة التوبة: 105.
[3] سورة فاطر: 10.
[4] رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده.
[6] ياسين عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص: 82.
[7] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 238.
[8] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 238.
[9] ياسين عبد السلام، تنوير المومنات، 2/ 218.
[10] سورة التوبة: 72.
[11] ياسين عبد السلام، تنوير المومنات، 2/ 304.
[12] ياسين عبد السلام، تنوير المومنات، 2/ 102.
[13] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 236.