المسلمة والخصال العشر «الخصلة السابعة: السمت الحسن»

يدل السمت على الطريق القويم والقصد والهيئة الحسنة، ويرتبط أساسا بحالة المسلم والمسلمة وشكلهما الظاهر الذي يخفي اتزانا وتناسبا وانسجاما روحيا، في علاقة جلية بين الظاهر والباطن في حال المسلم، لأن الدعوة بالظاهر تنطلق من التقوى في القلب، والمسلمة تتزيى بثوب التقوى وترتدي حلة الإيمان، وتتحلّى بروح الهدى، تنعكس على حركاتها وسلوكها ومشيتها ولباسها. تمشي الهوينى، وتراقب الله في قولها، فلا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وأمثال المرضى كثر في زماننا، ولا تبدي ما يخفى من زينتها، ولا تتصرف على النحو الذي قد يرضي بعض الناس ويغضب حتما رب الناس، والعاقبة للتقوى.
وقد تحدد في الإسلام أن المسلم يمتلك جواهر نفيسة من القيم توجه سلوكاته وحركاته بين الناس، لا تتوفر لغيره من الأمم، فهو يزايل غيره بمعنى أنه يتميز عنهم بما في الزيال من تقديم لنموذج منسجم ومتوافق مع الذات والمحيط، والسمت الحسن من النبوة المباركة الشريفة، لما روى الضياء عن أنس: “السمت الحسن جزء من خمسة وسبعين جزءا من النبوة “[1] فيكون للمسلمة هذا الجزء الطيب من أجزاء النبوة اقتداء واتصافا كريما يعلي من قدرها ويضمن إنسانيتها في وقت فقدت النساء ذلك فلحقن بالدواب بل هن أضل.
وقد جعل الإمام عبد السلام ياسين – رحمه الله – السمت الحسن من الخصال العشر المبشرة بلحوق المسلمة بركب الصالحين المصلحين، وبيّن مزايا هذه الخصلة وآثارها على حالها وواقعها ومجتمعها، وربط ذلك بعدم الهروب من المجتمع والانزواء، وبعدم الحكم على الآخرين ومقاضاتهم، لأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، ومخاطلة الناس هي المحك لمعرفة معادن الناس.
1 – الزيال
لا يعني الزيال وهو تميز تفرضه ظروف تاريخية واجتماعية وسياسية، الانسحاب من معترك الحياة، والانزواء في أركان البيوت، فهذا مخالف تماما لمقاصد الشرع ومراميه، بل الزيال المطلوب هو الاتصاف بأوصاف إيجابية تظهر النموذج الإسلامي مقبولا بين الناس، وهذا يتطلب تربية وفهما واستعدادا وبذلا وقدرة على التكيف مع الواقع بما يحمله من متغيرات، وما يعترضه من تحديات، وسط طغيان النموذج الغربي الغالب، المثال / المسخ، والناس على نحلته وثقافته وصورته سائرون، وبسرابه متشبثون.
ويكون هذا التميز لدى المسلمة في الحركات والقسمات واللباس والمعاملات، فمن أنفس الدعاة: يبدأ التغيير الشامل عليهم أن يضبطوا كل تصرفاتهم وحركاتهم بضابطي الكتاب والسنة. الجد في حمل أنفسنا على الاستقامة لا التوجه إلى المسلمين بالتكفير. الوقار لا الجمود. البشر لا الاكفهرار. الأدب لا الإسفاف والتبذل التريث لا العجلة. التعلم والصبر عليه لا ترديد العبارات. في مظهر المؤمنين ومخبرهم ينبغي أن يقع تحول. في اللباس ولهجة الخطاب. زيالنا عن عادات الكفار في العاديات والفكر والأسلوب معا. لا نلبس لباسهم إلا لضرورة التدرج في طرح التقليد )[2]
وبذلك نكون أمام أمرين تحتمهما الظروف وتفرضهما الدعوة، وهما المخالفة الطبيعية للآخر المتحكم حضاريا،النموذج الغربي طبعا، مما يترتب عن ذلك تقليده التقليد الجارف المميت، وقد روى أبو داود والطبراني أن رسول الله صلى الله وسلم قال: “من تشبه بقوم فهو منهم” ويقول الإمام رحمه الله: فلا يتم الزيال بمفارقة الشرك والنفاق حتى نزايل النموذج الكافر فلا نتشبه به في فكره ولا خلقه ولا عاداته. ذلك أن العزة لله جميعا، فمن طلب العزة في غير جانبه، والتمس باقتفاء سبيل الكافرين عضدا، فقد ذل لغير من أمر بالذلة لهم) [3]
والأمر الثاني الذي تأخذ المسلمة نفسها به وتعض عليه بالنواجذ، التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في مظهره ومخبره وحياته ولباسه، بما يضمن: التخلص من أسباب المسخ في الجذور لا بد أن نستأصل فروعه وكل مظاهره، سيما ما خالف منها السنة. ما زيال فكرهم بأولى من زيال عاداتهم، وإنما السمت الحسن أن نقصد بهمتنا وإيماننا وأعمالنا الصالحة مقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظهر بمظهره، ونقلده في جليل الأمر وعاديه) [4]
وهذا الزيال لا ينبغي أن يفقد المسلمة بشرها وطلاقة وجهها وتيسيرها، لأن السمت الحسن لا يعني العبوس والتنفير والغلظة والشدة، وهذا البشر والتسيير من خصال المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد كان دائم البشر، ومحبا للبشارة والفأل الحسن. كما أن السمت الحسن لا يعني التفسخ والميوعة والتودد المجاني المدمر.
2 – تجليات السمت الحسن
يظهر السمت الحسن في واقع المسلمة، ويتجلى في العديد من المظاهر والأفعال، في النظافة، وهي طهارة الظاهر وطهارة الباطن: طهارة الظاهر تزكية للجسم ليقف أمام الله عز وجل وقفة المصلي المتلقي فيض الإيمان. فهي تطهير الوعاء من ظاهره، لذلك كانت نصف الإيمان. والنصف الآخر تطهير الوعاء من داخله، وهو القلب، بذكر الله، والصلاة، والصدقة، والصبر، وسائر القربات ولا طهارة ترجى للقلب دون الطهارة الشرعية من الخبث والحدث بشرائطها) [5] واللباس بآدابه الشرعية: أول ما يميز المؤمن من الكافر على مستوى الشعور بذاته وجسمه هو أن للمؤمن عورة، بمعنى أن لجسمه كرامة، وليست للكافر عند نفسه ولا عند الله، فهو نجس كله وعلى المؤمنين مراعاة الستر بدقة، خاصة المؤمنات أثناء خروجهن من الإباحية إلى الالتزام بشرع الله تعالى )[6] وفي البشر والبشاشة: ومن طيب المؤمن وحسن سمته الوجه الباسم المقبل على مخاطبه، والوجه الطلق الباش تلقى به أخاك صدقة، آصرة مهمة من أواصر الصحبة والجماعة والأخوة. )البشر والاستبشار والكلمة الطيبة. الكلام الواضح الهادئ الوقور. الإقبال على السائل وحسن الاستماع. الانبساط للناس. التبشير لا التنفير. )هذه الآداب نزرعها ونتعلمها ونعلمها جند الله. فإن الدعوة أول شيء وجه باش وكلمة طيبة، وشخص نظيف، جذاب بلطفه، وبيان فكرته) [7] وفي الحياء وهو: إنه إقلاع عن الدنيا وزينتها، وأسباب التفاخر والتدابر، وجفاء العلاقات. المؤمن الحيي أجله بين عينيه، فهو مهتم ألا يأكل أموال الناس بالباطل (البطن وما وعى)، مهتم بفكره ألا يتيه وبحواسه وشهواته ألا تزيغ به (الرأس وما حوى)، مهتم بمصيره في الدار الآخرة فهو يتزود زاد التقوى من دنياه. )من آداب الإيمان وحيائه رحمة الكبير بالصغير، وتوقير الصغير للكبير )[8] وفي آداب التواصل مع الناس: وجند الله يجب أن يعطوا أحسنهم سمتا، وألطفهم معشرا وحياء، مهمة الاتصال في المهمات والظروف الحساسة. لكن عليهم جميعا أن يتخلقوا بالآداب الإسلامية العامة ويحرصوا عليها، فهي التعبير العملي اليومي عن السمت النبوي، وهم دعاة ينبغي أن يدخلوا على مجتمعات الفتنة والجفاء والكراهية، ونواديها، ومجالسها، وفي اللقاءات الاجتماعية والفردية، وفي بيت المؤمن والمؤمنة مع الأبوين والأقارب والجيران، وفي المدارس، والمعاهد، والكليات، والإدارات، والشارع، كما تدخل النسمة اللطيفة الطيبة المنعشة في الجو العطن الراكد الثقيل العفن) [9] وفي التجمعات والأعياد،: تجمعاتنا –لا سيما في الجمعة والعيدين– ينبغي أن يظهر فيها اعتزازنا بإسلامنا، وسمته، وزينته، وكثرته، وقوته، وهيبته. لهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث للشيخين وغيرهما أن نخرج لصلاة العيدين حتى النساء الحيض والعواتق وذوات الخدور. قالت أم عطية: “يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب (فلا تستطيع الخروج). قال صلى الله عليه وسلم: “لتلبسها أختها من جلبابها”. في هذا يجب التنافس) [10] وفي عمارة المساجد.: يعمر المسجد بالتلاوة والعلم، ويطهر لذكر الله، ويجمر ويعتنى به، وينزه عن اللغو واللغط، ويحتفل لدخوله بالزينة السنية، والنظافة والطهارة وطيب الريح. يمشى إليه في ظلم الليل وضحوة النهار. يعمره الرجال والنساء، والشباب، ويكون دخول الطفل إليه أول ما يعقل مناسبة يحتفل بها ويشوق إليها) [11]
المسلمة تلتزم بما حدده الشرع لها من ضوابط تراعيها في لباسها ومشيتها ومعاملاتها، فمقصد الدعوة يناشدها بأن تكون صاحبة حضور قوي في المجتمع، تعطي القدوة في التزام آداب النظافة واللباس لأن ذلك يقدم صورة عن شخصية الإنسان، ويبرز نمط العيش وطريقة التفكير.
3 – السمت الحسن وتربية الذوق
تربي خصلة السمت الحسن الذوق الجميل والحس الجمالي لدى المسلمة، إذ يتغير لديها الإحساس بالأشياء والأشخاص والعالم والكون، ويصبح تعاملها وهي رقيقة في فطرتها أكثر رقة وليونة وتفاعلا إيجابيا، كما أنها تعمل على نقل هذا الإحساس وإشاعته بين الآخرين ليصبح للحياة معنى وللعيش قيمة.
ومن السمت البشر والابتسام وهذا من الهدايا المعنوية التي حث الإسلام عليها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ت“هادوا تحابوا “[12] وتقديم الهدية في عصرنا الحالي الذي يعتني بالتواصل ويهتم به، يعتبر من الذوق الجميل، والإحساس الرفيع.
كما من السمت الحسن اللباقة في الكلام وحسن الحوار وآداب الأكل وتقديم يد المساعدة والعون، خدمة تطوعية وصدقة جارية، وهذا من الذوق الجميل.
ويظهر ذوق المسلمة في ترتيب بيتها والعناية به وحسن تنسيقه، وقد تفوق في ذلك ذوات المال والرفعة، والمشاركة في تنظيف حيها والعناية بجماليته، وفي السهر على عدم تلويث الشارع العمومي والحديقة والمنتزه والمجاري المائية، وكف أذى الأزبال عنها، فيغدو من منطلق السمت الحسن العناية بمحيطها القريب والبعيد، إذ يكون موضع اهتمامها المشترك مع الأخرين.
وقد أوصى الإمام المجدد – رحمه الله – بالسمت الحسن: وأوصي بسمت الإسلام، السمت الجميل في خُلق المومن والمومنة ومظهرهما ومخبرهما. نتميز شامة بين الناس عن ضوضاء الناس وتشعث أخلاق الناس وأفكار الناس، وحديث الناس، وإعلام الناس، ولهو الناس، وعبث الناس. نعوذ بالله من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنّة والناس )[13]
ويلخص – رحمه الله – خصلة السمت الحسن وشعبها في قوله: الخصلة السابعة : السمت الحسن : بالتحلي القلبي والعقلي بقيم الإيمان وأخلاق الإحسان يكتسب المجتمع الإسلامي المناعة ضد العدوى الحضارية المادية فيتقمص أشكالا حضارية تُظهر على السطح ما في الباطن.شعب الخصلة: 54 الطهارة والنظافة. 55 آداب اللباس. 56 السمت الحسن والبشر. 57 الحياء. 58 آداب المعاشرة. 59 الجمعة والعيدان. 60 عمارة المساجد) [14].
[1] صححه الإمام السيوطي.
[2] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 266.
[3] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 267.
[4] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 266.
[5] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 274.
[6] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 275.
[7] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 278.
[8] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 279.
[9] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص: 280.
[10] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي،ص: 286.
[11] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي،ص: 288.
[12] رواه البخاري وأحمد والبيهقي، وحسنه الشيخ الألباني.
[13] ياسين عبد السلام، الوصية، ص: 22.
[14] ياسين عبد السلام، مقدمات في المنهاج ،ص: 83.