يا رب أمـتي أمـتي…

قـــال الله تعالى يخاطب أمـة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : لقد جاءكـم رسـول من أنفسكـم عزيز عليه ما عنتم حريـص عليكـم بالمومنين رؤوف رحيم 6 هذه أوصاف ثابتة لنبي الرحمة المهداة : رأفة ورحمة بنا وحرص على رشدنا وهدايتنا، قال الإمام القشيري رحمه الله : جاءكـم رســول يشاكلكـم في البشرية، فلما أفردناه به من الخصوصية ألبسناه لبـاس الرحمـة عليكم، وأقمناه بشواهد العطف والشفقة على حملكم، قد وكل همه بشأنكـم وأكبر همه إيمانكم. )
صفته صلى الله عليه وسلم في الثوراة
حــرص مع رأفـة ورحمـة منبعثـة من قلـب المصطفى صلى الله عليه وسلم تسـري إلى القلـوب، فتشع هدى ورشدا وإيمانا، أخرج الإمـام البخـاري في صحيحه عن عطـاء بن بشـار قال :لقيت عبد الله بن العاص رضي الله عنه، فقلت أخبرني عن صفـة رسـول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال : أجـل والله إنـه لموصوف في التوراة ببعض صفتـه في القـرآن: يـا أيهـا النبــي إنـا أرسلنـاك شاهـدا ومبشرا ونذيرا 7 وحـرزا للأميين، أنت عبـدي ورسولـي سميتـك المتوكــل ليس بفـض ولا غليظ ولا صخاب في الأسـواق، ولا يدفــع السيئـة بالسيئـة، ولكـن يعفــو ويصفـح ولـن يقبضـه الله حتى يقيـم بـه الملـة العوجـاء، بـأن يقولـوا لا إله إلا الله ويفتـح بـه أعينـا عميـا وآذانـا صمـا وقلوبــا غلفـا )
حلم ومراضاة
ولا أدل علـى حلمـه و صفحـه وحرصـه مـا رواه الإمام البـزار رحمه الله أن أعرابيا جـاء النبي يطلـب شيئـا فأعطـاه إيـاه ثـم قال : “أحسنـت إليك يا أعرابي؟ قال الأعرابي : لا ولا أجملـت، فغضـب المسلمـون، وقامـوا إليـه، فأشـار إليهـم : أن كفـوا، ثـم قـام ودخـل منزلـه، وأرسـل إلى الأعرابي واده شيئا، ثم قال : أحسنت إليك؟ قال : نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال النبـي صلى الله عليـه و سلـم: إنـك قلـت ما قلـت، وفي أنفـس أصحابـي من ذلـك شـيء، فـإن أحببـت فقـل بيـن أيديهــم مـا قلت بين يـدي حتى يذهـب ما في صـدورهم عليـك، قال: نعـم، فلما جـاء الغـد أو العشي، جـاء فقال عليه الصلاة والسلام : إن هـذا الأعرابي قـال مـا قـال فزدنـاه فزعـم أنـه رضـي، أكذلـك ؟ قـال الأعرابـي : نعـم فجزاك الله من أهـل وعشيـرة خيرا. فقال عليه الصلاة والسلام : مثلي ومثل هـذا الرجل مثـل رجل له ناقـة شــردت عليـه، فاتبعهـا النـاس فلـم يزيـدوهـا إلا نفــورا، فناداهــم صاحبهـا : خلـوا بينـي وبيـن ناقتـي، فإنــي أرفقكـم بها وأعلم، فتوجـه لها بيـن يديهـا فأخـذ لها من قمـام الأرض (وهي الكناسـة) فردها، حتى جاءت واستناخـت، وشـد عليهـا رحلهـا واستـوى عليهـا، وإنـي لـو تركتكـم حيـث قـال الرجـل مـا قـال فقتلتمـوه دخل النار”
مـا أعظـم هذه النفـس السمحـة الرحيمـة التـي سمـت كـل السمـو تتلطف للخلق وترفق بهم بما يحبون ليسمعوا هدي الله ويستجيبوا له، قال الله سبحانه : فاعف عنهـم واستغفـر لهـم وشاورهـم في الأمر
يقول الأستـاذ عبـد السـلام ياسيـن على إثر هذه الآيـة :اعف عنهم حتى يحسـوا بعطفـك واستغفـر لهم حتى يعلمـوا أنك تحمـل همهـم أمـام الله عز وجل، بعد ذلـك شاورهم…) 8
دعوتي لأمتي بعد كل صلاة
أي حـرص أكبـر وأعظـم من أن يحمـل همنـا أمام الله عز وجل ؟ أخرج الإمـام مسلـم فـي صحيحـه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين قال : تلا رسـول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى : رب إنهـن أضللـن كثيـرا من الناس فمن تبعنـي فإنه منـي ومن عصانـي فإنـك غفـور رحيــم 9 و قـول عيسـى عليـه السـلام :إن تعذبهـم فإنهـم عبـادك وإن تغفـر لهم فإنـك أنـت العزيــز الحكيــم 10 فرفـع يديـه وقـال:“اللهـم أمتي أمتي فبكى فقـال الله عز و جل : ” يـا جبريـل اذهـب إلـى محمـد و ربـك أعلـم فسلـه : مـا يبكيـه ؟ ” فأتـاه جبريـل فسألـه، فأخبـره بمـا قـال و هــو أعلــم فقـال الله : ” يـا جبريـل، اذهـب إلى محمـد فقـل له : سنرضيـك في أمتـك و لا نسـوؤك “علم عليه الصلاة والسلام مقدار الحق الذي أرسله به ربه، وماأعده سبحانه لمن صدق وآمن وعمل صالحا من النعيم، ولمن تولى وأعرض من سوء الحساب.
فكـان حال رسـول الله صلى الله عليه وسلم الاهتمام بشأن أمتـه و الدعاء لهـا، أخـرج الإمام البـزار رحمه الله عن عائشـة رضي الله عنها قالت : “لما رأيـت من النبـي صلى الله عليه و سلـم طيـب نفــس قلـت : يـا رسـول الله ادع الله لـي، قـال: « اللهــم اغفـر لعائشـة مـا تقــدم من ذنبهـا وما تأخـر، وما أسرت وما أعلنـت فضحكت عائشـة، حتى سقـط رأسهـا فـي حجرها مـن الضحـك، فقـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : أيسـرك دعائـي؟ فقالـت : ومالي لا يسرني دعاؤك ؟ فقـال: والله إنهـا لدعوتـي لأمتي في كـل صـلاة “
أغبط الناس
هـذا نبـي الرحمـة والرأفـة الحريـص علـى أمتـه، فمـا أحوجنـا فـي هـذا الزمـن- والأمـة فـي وهــن – أن نحـذو حـذوه، و نسيـر علـى نهجـه، ونحيـي أمتـه بسنتـه، نحـرص عليهـا كحرصـه صلى الله عليه وسلم عليهـا، ندعوها للهدى ونرفق بها ونرحم، نحبـب الله إلى عبـاده ونحبـب العبـاد إلـى الله عسى أن نكون بذلك ممن يغبطهم الأنبياء والشهداء. روي عن سيدنا أنس : أن النبـي صلى الله عليه وسلم قـال :“ألا أخبركـم عن أقـوام ليسـوا بأنبيـاء ولا شهـداء يغبطهـم الأنبيـاء والشهـداء بمنازلهـم من الله تعالى علـى منابـر مـن نـور يعرفـون عليهـا. قالـوا: مـن هــم؟ قـال: الذيـن يحببـون عبـاد الله إلـى الله تعالـى ويحببـون الله عز وجل إلى عبـاده ويمشـون في الأرض نصحـاء. فقلنـا هـؤلاء حببـوا الله إلـى عبـاده فكيف يحببـون عبـاد الله إلى الله؟ قال: يأمرونهـم بما يحب الله وينهونهـم عما حرم الله فإذا أطاعوهم أحبهم الله”
فاللهـم اجعل فضائل صلواتك على سيدنا محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين قائد الخير وفاتح البر ونبي الرحمة وسيد الأمة.
[2] سورة آل عمران، الآية : 195.
[3] المنهاج النبوي الطبعة 3 : ص 873.
[4] سورة إبراهيم، الآية : 36.،
[5] سورة المائدة، الآية : 115
[6] سورة التوبة، الآية 150،
[7] سورة آل عمران، الآية : 195.
[8] المنهاج النبوي الطبعة 3 : ص 873.
[9] سورة إبراهيم، الآية : 36.،
[10] سورة المائدة، الآية : 115