سعيٌ يخلد ذكرى عظيمة

ملايين المسلمين من كل حدب و صوب، شعت غبر،تشرئب أعناقهم وتهفو أفئدتهم لاقتفاء أثرها الشريف و السير على خطاها قدما بقدم و خطوة بخطوة، تمثلٌ وتأسٍّ بشعيرة من شعائرالله تعظيما وتوقيرا. إنه ذات السعي الذي قامت به أمنا هاجر زوج سيدنا إبراهيم عليهما أفضل الصلاة وأزكى السلام، بحثا عن الماء لرضيعها، قامت به ليتبين لنا ولكل ساع و للبشرية جمعاء معنى الأمومة. تلكم الفطرة الاهية المبثوثة في قلب كل أم، لتكون بذلك رمزالعطاء والحياة وليصبح هذا السعي منسكا من مناسك الحج
وشعيرة من شعائره، حيث قال سبحانه وتعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما سورة البقرة الاية157
عرفان بالفضل
وما الذكرى إلا عرفان بالفضل العظيم و العمل الجليل الذي قامت به أم من خيرة نساء العالمين، تركها الزوج مع ابنها النبي سيدنا اسماعيل عليهم السلام في واد غير ذي زرع، في صحراء قاحلة موحشة، الداخل اليها مفقود و الخارج منها مولود،عبرت عنها أمنا هاجر حين تطلعت إلى زوجها قائلة :”آلله أمرك بهذا؟ إذا فلن يضيعنا” وما ماء زمزم الفائض المشبع الشافي الكافي إلا جزاء وفيض من كرم الله للمتوكلة عليه حق التوكل. من ألهمك هذا اليقين أيتها الام العظيمة ؟ أيتها المربية الكاملة ؟ وكيف لم تغير الصحراء من وجدانك الفطري فبقي على أصله واحة غناء تشع عطاء وحيوية ؟ إنها الفطرة السليمة و الحافظية التي خصها الله بها كما خص أيما امرأة في الكون،فوظفتها في تربية وبناء شخصية نبي الله اسماعيل عليه السلام. هذا نموذج للأمومة في أبهى تجلياتها، أمٌ لم يثنها شظف العيش ولا كآبة المنظر وبعد الأهل عن أداء رسالتها والقيام بوظيفتها، فكانت النتيجة أن خلد الله ذكرها ووهبها الذرية الصالحة.
ذرية بعضها من بعض
ذرية بعضها من بعض في الانقياد لله و الاستسلام لجلاله وحكمه. فهذا الابن سيدنا إسماعيل يقول لأبيه لما همّ بذبحه استجابة لأمر الله تعالى وتصديقا للرؤيا التي رآها في منامه يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين سورة الصافات الآية102 فمنبع هذا البروالتصديق والصبر على الابتلاء إنما هو من التربية على اليقين في الله تعالى مثلما عبرت عنه سيدتنا هاجر وهي في صحراء موحشة لم تكن تعلم أنها ستصبح قبلة للمسلمين.
فلا غرو أن يشب سيدنا اسماعيل في ظل هذا المنهج التربوي السليم الذي تتعهده العناية الإلآهية استشرافا لحمل أعباء النبوة في بناء الكعبة ورفع قواعدها واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسماعيل ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم البقرة الاية127
هذه معالم المنهح التربوي لأسرة تكاملت أدوار أفرادها في مهام البناء، بناء الكعبة المشرفة الطاهرة، بناء تكللت معالمه ببناء الذرية الصالحة المجبولة على سلامة الفطرة بالاقتداء والتأسي.
تلك ذرية أبينا إبراهيم السابقة ونحن الذرية اللاحقة كما أخبرنا الله تعالى ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس سورة الحج الاية 75. فأنتم أسوتنا الحسنة قطعتم ووصلتم. ونحن على منوالكم نحيي قواعد هذا البناء، بناء النشء الصالح القادرعلى السعي في زمن تكاثرت فيه معاول هدم الناشئة واجتثاتها من فطرتها السليمة.