ضحايا زواج الكونطرا بين مطرقة الولي وسندان قهر العاقد

غالبا ما نسمع عن من يلجئ بدافع الفقر المدقع ومصلحة الأسرة أسبق وبدافع الجهل المطبق، إلى الدفع بفلذات الأكباد إلى العمل في ظروف قاسية لا تراعي صغر سنهم ولا هزالة أجسامهم ولا عدم نضجهم، حيث يكون هؤلاء الصغار مجبرين على الصبر والتأقلم مع تلك الظروف كل ذلك من أجل توفير قسط من المال لسد الحاجة. غالبا ما نسمع كذلك عن أهالي يدفعون بأبنائهم، أحيانا الى درجة التحريض، إلى ركوب المخاطر ومعانقة الأهوال من أجل بلوغ أرض الأحلام وموطن الغنى والثراء لتحصيل أموال تنقلهم من دركات الفقر وترقى بهم إلى مستوى اجتماعي يقاس فيه الناس بما يملكون. لكن الغريب أن نسمع باستمرار رهن الأبناء والاتجار بهم بدعاوى لا تعدو تكون خرافية. والأمر الغريب والأمٓر هو مشروعية هذا الرهن والاتجار.
زواج الكونطرا أو زواج الرهن إن صح التعبير هو نوع من النخاسة المتطورة التي يكون فيها التحايل على كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتجاوز كل تعاليم الدين الحنيف سيد الموقف، ذلك لأنه لا يعدو يكون بابا من أبواب تحصيل الأموال بواسطة تجارة تكون فيها البضاعة أرواحا بشرية بريئة تفقد براءتها بمجرد بلوغها مشتريها. والأدهى والأمر في هذه التجارة هو أن البائع أب أو أخ أو ولي من أولي الأمر كل همه الحصول على مبلغ مالي مرتفع يقابله انتفاع المشتري وتمتعه بجسد لم تكتمل تركيبته الفيزيولوجية والاستحواذ على روح لا تزال رغبتها في عيش الطفولة في عتباتها الأولى، لتتحول هذه الطفولة المغتصبة إلى شيخوخة مبكرة تبتدأ في سن الرابعة عشر أو أكثر بأشهر قليلة. وإذا ما قمنا بعملية حسابية مادامت هذه تجارة.. لنتبين الرابح من الخاسر وما مقدار الخسارة فيها ، فإننا سنجد أن عائداتها الكبيرة تعود إلى المستثمر المتسلط على حقوق غيره فهو صاحب الربح الأول والأخير حتى وإن فشلت التجربة الأولى فهو لن يتوانى في تكرارها مرات ومرات مادامت الدجاجة تبيض بيضا من ذهب كما تحكي الأسطورة. ونجد الرابح الثاني هو العاقد أو من يطلق على نفسه إسم الزوج ،لأنه قد وفر لنفسه ولغيره خادما بعقد عمل غير منتهي الصلاحية ولا أحد يتجرأ على محاسبته والتدخل في ظروف الأجير والعبد الذي امتلكه بموجب عقد لا يرضاه لا دين ولا منظمة حقوقية ولا يقبله حتى عقل سوي. وفي نهاية العملية نجد الخاسر الأكبر والضحية الوحيدة، لهذه المقايضة اللاأخلاقية إن لم نقل الجريمة الشنعاء المرتكبة في حق من نزل تكريمه من فوق سبع سموات ليحمل أمانة الاستخلاف في الأرض وعمارتها وما اعظمها من أمانة تهتز لها الأرض وتتحرك لها الجبال، هو تلك الفتيات الضعيفات المغلوبات على أمرهن و اللواتي لا يمتلكن سوى الانحناء أمام سياط جلاديهن. فضحايا هذا الزواج إن صحت تسميته كذلك هن طفلات اغتصبت طفولتهن، وفتيات تحطمت أحلامهن في عيش كرامة الميثاق الغليظ كما أمر به الله تعالى بحيث تكون المودة والرحمة ركيزتاه الأساسيتين. هؤلاء الضحايا تجدن أنفسهن أمام واقع مرير لا تملكن لتغييره إلا الدموع والاستجداء باعتبارهن إماء استعبدهن الأزواج وأهاليهم. فتجدهن في غالب الأحوال إن لم نقل كلها روبوتات متعددة التخصصات، بحيث يصنفن أحيانا في خانة العاملات في الحقول والمزارع بدون أجر أو مقابل ، وتجدهن أحيانا خادمات في البيوت لا يملكن سوى الانصياع إلى أوامر أصحابها والقيام بما يؤمرن به في صمت كآلات يبرمجها كل فرد في العائلة حسب رغبته، لتصير في آخر النهار جارية مجبرة على تلبية رغبات من يدعي بفعل عقد الرهن أو الشراء المشؤوم المبرم بين وليها وزوجها والذي يخول له حق التصرف في البضاعة كيف يشاء. أي زواج هذا الذي تضيع معه كرامة من جعلت الجنة تحت أقدامها؟ أي زواج هذا الذي تصبح فيه الزوجة شيئا من الأشياء التي تنتهي صلاحيتها بمجرد التوقف عن الرغبة فيها ؟ أي زواج هذا الذي لا يقوم على الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان باعتبارهما ضابطا الوفاء بالعهد وأداء الأمانة؟ أين هي المعاني الجليلة والمقاصد النبيلة المتعلقة بالزواج الإسلامي الذي يرتفع بالإنسان ويرقى به من السقوط الحيواني إلى الطهارة والنظافة الأبدية أي نفس هاته التي تستطيع التأقلم مع هذه الحياة التي أفقدتها إنسانيتها فتحولت من مخلوق مكرم مأمور بحمل أمانة الاستخلاف والإعمار في الأرض إلى بضاعة مزجاة؟