زوجان في جنة

الزواج حرث للنسل، وسكن للنفس، ومتاع للحياة، وطمأنينة للقلب، وإحصان للجوارح، كما أنه نعمة وراحة، وستر.
والزواج في الإسلام عقد لازم وميثاق غليظ، وواجب اجتماعي، وسكن نفساني، وسبيل مودة ورحمة بين المرأة والرجل. كما أنه عبادة يستكمل الإنسان بها نصف دينه. ومن امتنان الله تعالى على الإنسان ما ورد في قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون [الروم: 21]،، ويظهر من خلال الآية الكريمة أن الزواج يجمع بين كونه سكن ومودة ورحمة، بحسب التفصيل التالي:
أولا: السكن
قال ابن عباس: “لما أُسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصري من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها؛ فلما انتبه رآها فقال: من أنت؟! قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي” الجامع لأحكام القرآن م1 ص301.
إن الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يزيل الوحشة عن سيدنا آدم عليه السلام في الجنة، ويجعل له نفسا يسكن إليها ويسعد بصحبتها لم يخلق له أخا ولا أبا ولا ابنا، أي لم يوجد له مخلوقا ذكرا من جنسه ليأنس به إنما خلق له أنثى، وما جعل الله هذه الأنثى أما ولا أختا ولا بنتا إنما جعلها زوجة، وخلقها من ضلع آدم لتكون هي جزءا منه وليكون هو جزءا منها. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا الأعراف:189.
إن الله سبحانه أراد أن يبين للناس أن الزوجة شيء مهم جدا في حياة الرجل، بل لعلها أهم شيء، وتأتي أهميتها من أنها سكن، والسكن من ضرورات الحياة الدنيا الأساسية، والله جعل للمرأة وظائف أساسية متنوعة، وكان أولها وأهمها أن تكون سكناً للرجل، والسكن كما بين القرآن لا تأتي به إلا الزوجة، فهي التي تزيل وحشة الرجل وتخفف عنه همه، وتحمل معه أعباء الحياة؛ يأتي إليها الزوج بعد يوم عمل طويل ليأنس بها ويسعد بصحبتها، ويركن إلى مسامرتها، فينسى همومه ومشكلاته. “منة عظمى وآية كبرى من مننه المشكورة وآياته المذكورة. سكون شطر هذه النفس الإنسانية إلى الشطر المكمل راحة واطمئنان وألفة واستئناس واستيطان، لولاه لكانت الحياة وحشة وغربة وقلقا. فالحمد لله رب العالمين، وله الحمد في الأولى والآخرة” تنوير المؤمنات، ج 2، ص 76.
ثانياً: المودة
قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً [الروم:21]. إنها آيات تشع نورا يضيء الطريق لكل زوج وزوجة في معرفة سبل الحياة الزوجية جنة الدنيا، تطل علينا تلك الآيات بحقيقة أن الله تعالى يجمع بين زوجين وقلبين، فيجعل بينهما مودة في العلاقة العاطفية، والمودة أقوى من الحب الفطري بين الرجل والمرأة.
” والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين، وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة، ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارا للحياة والمعاش وأنسا للأرواح والضمائر واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء” في ظلال القرآن، سيد قطب: 5/458.
المودة إذن هي شعور متبادل بالحب ويجعل العلاقة قائمة على الرضا ومن خلاله يعبر كلا الزوجين عن حبه للآخر، بالأقوال والأفعال، دون تردد أو خجل ويكون هذا التعبير متجددا بين لحظة وأخرى، كما يفتح كلا الزوجين باب الحوار المفيد والمناقشة الهادئة وطرح الآراء وحل المشاكل بعقلانية، ويكون من أهم بنود الحوار: الاحترام وخفض الصوت والرفق.
ثالثاً: الرحمة
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل إذا نظر إلى امرأته, ونظرت إليه, نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة, فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما صحيح الجامع.
إنها دعوة للأزواج إلى عدم التهوين من رسائل الرحمة بينهما. فحتى النظرة التي لا تكلف جهدًا, ولا تفقد مالاً، تجلب رحمة الله بالزوجين، رحمة الله التي تحمل معها كل خير لهما، تحمل الرزق والسلام والسعادة، رحمة الله التي يهون معها كل صعب، ويقرب كل بعيد وينفرج كل كرب.
الرحمة هي رقة في القلب تستهدف الرأفة بالآخرين، و هذا هو معنى الرحمة بصفة عامة وبين الزوجين تعني إعداد علاقة طيبة بينهما، يسودها الانسجام والتراحم، قال صلى الله عليه وسلم: “لا يرحم الله من لا يرحم الناس”، ومن هنا فالرحمة بين الزوجين تعني الرقة والعطف والرفق.
محبة وتعاون، إيثار وتضحية، سكن ومودة علاقة، روحيَّة شريفة، ارتباط جسدي مشروع، ذلك هو الزواج. فنرى القرآن الكريم يبعث في نفس كل من الزوجين الشعور بأن كلا منهما ضروري للآخر، ومكمل له؛ فنقول للرجل: إن المرأة فرع منك وأنت أصلها، ولا غنى لأصل عن فرعه، ونقول للمرأة: إن الرجل أصلك وأنتِ جزء منه، ولا غنى للجزء عن أصله. بهذه المودة والرحمة تنتظم الحياة الأُسرية، وتسير وفق الشرع الحنيف، وتسود أجواء الأسرة السكينةُ والطمأنينة، ومن تلك الأسرة السعيدة يتخرج الأبناء ويكونون أداة صالحة في خدمة دينهم ومجتمعهم.