مصير الأمة المرتهن

إن أمة مناداة بخطاب الخيرية والكمال, لن تكون قطعا أمة من العبيد أو المستبدين, وإنما هي أمة عزيزة ترتفع فيها الهامات لا تنحني إلا انكسارا لله, وعبودية له سبحانه دون من سواه, هي خيرية ارتبطت بالدور المنوط بالإنسان المكرم سلفا بما أوكل إليه من أمانة الإيمان بالله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهي مهام جسام تستدعي من النفس بواعث الإرادة التي يسبقها تحرير الرقاب من كل تبعية أو عبودية لغير الخالق المنان, ولا معنى للتكليف إن لم تسبقه الحرية التي هي شرط الأحكام الشرعية. فإذا كانت الأحكام قد وضعت لحفظ المصالح ودرء المفاسد ورعاية المقاصد, فلا خلوص لذلك إلا من خلال رؤية شمولية هي أصل الدين ومقصده. رعاية لغايتي العدل والإحسان في تلازمهما الحافظ للوحدة القلبية والضامن للحقوق الفردية والجماعية القاصد الوجهة إلى الله تعالى, فبهذا الفهم الشمولي للأحكام ارتفعت الأمة إلى أعلى درجات التكريم الإلهي على عهد النبوة والخلافة الراشدة, ثم انحطت دركا بعد درك زمن تشظي الفهم وتجزيئه بعد انتكاسة سقوط الخلافة, حتى هوت اليوم إلى أسافل دركات الدوابية المتمردة على الفطرة المتنكرة لأصل الخيرية والرشاد. فإذا كان حفظ المصالح مطلبا شموليا لا يحتمل التجزيء, فلا معنى لدواء يعالج الأعراض ويترك الداء العضال المتفشي ينخر الجسد ويضعفه, فيكون طالب الإصلاح يفسد من حيث مظنة الإصلاح والتقويم.
بهذه الرؤية إذن تتجه بوصلة كل متشوف مستقبل بعقله ووجدانه ذلك العمران الأخوي الذي يستعيد مجد أمة ويرسم قسمات مصيرها, وهي نفسها تلك الأمة المخاطبة بالأمر الإلهي والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرسورة التوبة الآية 71. فهم عميق لإيمان يتخطى حدود القلب, ويكسر قيود الأنانية, ليترجم عملا صالحا بكل ما تحمله معاني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, تحت ولاية جامعة مانعة لأمر المؤمنات والمؤمنين, يتشاركون فيه الأدوار والوظائف في تهمم بهم مصير فردي يجعل من النية وجهة خالصة لله تعالى, وأصلا للعبودية الحقة التي تتفرع عنها باقي التكاليف, وهم مصير جماعي لأمة تستشرف الخلاص والانعتاق من قيود استبداد رهن رقاب الناس جميعا تحت حد سيف سلط فأذل واستباح وتأله.
لكن الإشارة مهمة هنا إلى أن المقصود بالاستبداد ليس دائما ذلك الحاكم المتجبر الذي عطل الإرادة الجماعية للأمة, إنما أعمق منه وأكثر تأثيرا وتجدرا, استبداد فكر انقطع عن الوحي ومعين السنة فضاق أفقه و كبل إرادة المرأة فشل حركتها في المشاركة المفترضة لبناء المصير المشترك, عقبة كأداء ارتبطت بالنفوس والذهنيات التي أصلت لقناعاتها من آراء فقهية كانت نتاج زمن الانحطاط, قصرت عن الرؤية النبوية التي جسدت الغاية من الخلق بالاستخلاف في الأرض وعمارتها, فكان انحطاط فهم تخلف بتخلف المسلمين عن منابع قوتهم.
إن من يعزل المرأة اليوم عن مصير الأمة, إنما يكرس واقع الانحطاط , ولا حظ له في بناء مجتمع العمران الذي يعيد تشييد أسس البناء الصحيح, ويعطل موعود الله تعالى وقد يكون عليه من الوزر ما على الحاكم المستبد الذي تسلط وخرب وهدم. ومن يحصر مشاركتها في رعاية مزاج زوج في نظرهم يحسن إليها بالنفقة والإطعام فيقايضها بها مقابل عبودية له ما نزل الله بها من سلطان, لن يكون إلا كمن عطل عقله وأعاره لفقهاء لطالما جعلوا جنة المرأة ونارها رهينة بمزاج زوج قد يرضى فيدخلها الجنة, وقد يغضب فيوردها النار, وكأن مفاتيح الجنة والنار ملك يمينه كما المرأة ملك يمينه, أليس من القصور فهم مقاصد الدين الذي حرر العباد نساء ورجالا من العبودية فهما يعيد المرأة إلى الأسر والرق داخل سياج مزاج قد تقلبه الأهواء, في حين أن الأصل خضوع المرأة والرجل إلى منظومة الحق الذي يقابله واجب بميزان العدل والإحسان, فإذا كان الزوج جنة المرأة ونارها بمفهوم حفظ الحقوق الشرعية وأداء الواجبات, فهي جنته وناره وفقا لنفس الميزان العادل, وعلى كليهما أن يحملا هم لقاء الله تعالى العادل, الذي خلقهما لأمة الخيرية المأمورة بالاستخلاف, في تكامل لدوريهما ابتداء من أسرة هما راعيان لها وسيسألان عن رعايتها أمام الله تعالى, وانتهاء ببناء مصير أمة كلاهما مسؤولان عنه, فليحذر كل منهما أن يكون عقبة في طريق الآخر, تمنعه من أداء واجبه في البناء, وواجبه في خلاص الأمة. ألم يكن جليا عند المسلمين أن انحطاط المرأة ارتبط بانحطاط الأمة, والشيء بالشيء يذكر, فلا هبة يرتجى منها انتشالهم من مهاو التخلف, إلا باتخاذ كل موقعه الذي لن ينوب عنه فيه غيره.
متى نخرج من منطق الصراع والندية الذي يكسر العلاقات الإنسانية ويشرخ المجتمع, وما أفرزه إلا ذهنية الاستعلاء التي اختزلت كيان المرأة في مجرد تابعة ناقصة الحرية معدومة القرار, فالحرة كريمة النفس لا تقبل العبودية إلا امتثالا لأمر الله الذي كرم الإنسان, وحاشاه أن يرضى لعباده إلا عدلا ناظما لعلاقاتهم وإحسانا حافظا لودهم, فالحرة كريمة النفس لا تقبل العبودية الا امتثالا لأمر الله الذي كرم الإنسان, وحاشاه أن يرضى لعباده إلا عدلا ناظما لعلاقاتهم وإحسانا حافظا لودهم, متى الخروج من منطق الصراع إلى منطق التكامل الحافظ لأواصر الود البانية.
نريد من المرأة إحسانا يدفعها إلى خدمة البيت ورعاية الأسرة وتوفير الراحة والدفء, وما فرض الله عليها من ذلك شيء باتفاق الفقهاء, يقابله إحسان زوج يعترف لها بالفضل ويجازيها عليه محبة وعطاء, تمثلا للأخلاق النبوية كما فهما الصحابيات والصحابة خير من فهم الوحي وتمثله. زمن لم تكن فيه المرأة جارية كاد الأمر النبوي أن يجعلها تسجد للرجل كما أفهمنا فقه انحبس فضاق وضيق, وما كان فيه الرجل مستبدا يسجن إرادتها ويصادر قرارها, وهي من راجعت عمر الفاروق( رضي الله عنه) في المسجد حين هم بتحديد مهور النساء, ولم تناديه حينها حتى بأمير المؤمنين, بل خاطبته خطابا قويا متمكنا بليس لك ذلك يا عمر, فأمر الله فوق من سواه كائنا من كان.