في ذكرى الوفاء وتجديدا للعهد

منذ بضع سنين كنت كتبت هذه الكلمة التي كنت عازمة أن ألقيها في حفل تأبين الإمام الأستاذ عبد السلام، واليوم يشاء الله أن أنشرها في ذكرى الوفاء تجديدا للعهد وشهادة أرجو بها رحمة من المولى عز وجل يوم لقياه كما أرجوها بوح محب عسى أن تقع عليها عين جيل ممن لم يعاصره فتسقى بها قلوب مشتاقة. أقول بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وبعد:
أيها السادة والسيدات الأفاضل، ما عساي أقول في حق حبيبنا المرشد رحمه الله، إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: فإنا لله وإنا إليه راجعون. المصاب جلل وعزاؤنا قول ربنا إنك ميت وإنهم ميتون سنة ماضية فينا حتى قيام الساعة.
إنني وباسم نساء العدل والإحسان أعزي نفسي وأعزي الحضور الكريم والأمة جمعاء شاهدها والقابل من أجيالها في رجل لا كالرجال قامة من القامات العظمى ولا نزكي على الله أحدا.
رزئنا ورزأت الأمة الإسلامية بل الإنسانية جمعاء بفقد الإمام المجدد سيدي عبد السلام ياسين، الذي جمع الله على يديه ما تفرق من علوم في هذه الأمة: علوم القرآن والحديث والفقه وعلوم التزكية.
كان خلقه القرآن قلبه على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم متأسيا به في كل حركاته وسكناته، ماشيا على خطاه سالكا دربه ناهجا نهجه. قام لله فردا مفردا، صادحا بالحق مجاهدا محاربا للفساد والاستبداد مستبشرا مبشرا بموعود الله في عزم الموقن، شامخا في تواضع لين في غير ضعف، لم يحن هامته إلا لله فانجمعت عليه قلوب رجال ونساء، انقدح فيها حب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، بنية لا تثنيها الرزايا ولا تثقلها البلايا، متشبثة بثوابتها ماضية على المحجة اللاحبة والمنهاج الواضح تحت شعار العدل والإحسان. حاديها سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ونبراسها قبس سيرة الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم. وسواعد نساء ورجال نهلوا من معين صحبته تربية وسلوكا ما يؤهلهم لحمل أعباء الدعوة وتكاليفها على حد سواء.
وهذا ما لم يكن سهلا على هذا الجيل عموما وعلى النساء بشكل خاص، حيث كان لزاما عليهن أن يستيقظن من سبات رزحن تحته قرونا من الزمن، لتتيقظ همتهن ويتفهمن عمق الإشكال التاريخي الفقهي والسياسي الذي كان له عظيم الأثر على وضع المرأة وعلى وضع الأمة كلها، فيخرجن من دائرة الحيرة المتأرجحة بين السقوط في خانة من يعادي الإسلام من دعاة التحرر وخانة من جعلوا بينهم وبين سماحة الشريعة الإسلامية حجبا سميكة. وكلاهما ظلما المرأة، وأشد الظلم الإحالة بينها وبين معرفة الله وتعطيل دورها؛ وهي حجر الزاوية ومحور أساس في عملية التغيير والبناء، بل هذا وأد معنوي أشد من الوأد على عهد الجاهلية. وأد ثان أراد الأستاذ عبد السلام أن يحررها منه سلوكا ومعاملة، فرفع عنها كل الحجب وربطها بالنموذج الصحابي.
حرص الحبيب المرشد رحمه الله ذو الوجه الباش المستبشر دائما أن تنال المرأة ما تستحقه من مكانة في المشروع التجديدي المتكامل، فأولاها اهتماما شديدا حيث أفردها؛ فضلا عن الخطاب والتوجيه العام؛ بمجالس خاصة ومؤلفات خاصة، حرصا منه على أن يوقظ همتها وينتشلها من حفرة العطالة، فتتطلع لما عند ربها وتمتطي همة الصالحات، فتمضي في عزم لتقوم بالدور الذي ندبها له المولى عز وجل في المشاركة والتعبئة والبناء والفوز بالله.
لله درك من أب رحيم ومرب جليل صبرت وصابرت، أعطيت ووفيت حتى أتى أمر الله فلبيت، بأبي أنت وأمي يا سيدي روحي لك الفداء، فطبت حيا وميتا. تركت بين أيدينا أمانة تنوء عن حملها الجبال نستعين عليها بالدعاء، ونتعاهد على المضي قدما على العهد والصحبة داعين المولى أن يمسك وحدة الصحبة والجماعة كما أمسك السماوات والأرض من أن تزولا.
نشكر كل من أتى لتقديم التعازي والمواساة. جزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته