الزوجة المجاهدة..”بنان علي الطنطاوي”2

وحق أن يقال في هذه المرأة الاستثنائية : فلو كان النساء كمن فقدنا ***فضلت النساء على الرجال
هذه المرأة كانت تأكل وتشرب ولها من المشاكل والهموم والرغبات ما لنا، غير أنها غلبت تعلقها بالآخرة وبالله تعالى على كل ما هو دنيوي زائل.
كانت قد زارت زوجها وهو بالسجن وهي ابنة الثالثة والعشرين ربيعا فقالت له: يا عصام ، أنا والأولاد بخير وسلامة فلا تقلق علينا ، كن قويا كما عرفتك دائما، ولا تر هؤلاء الأنذال من نفسك إلا القوة والصلابة واستعلاء الحق على الباطل.
لكنها بعد أن خرجت من الزيارة أجهشت بالبكاء فكانت بهذا حقا تستحق لقب الزوجة الصابرة ، لأنها أظهرت القوة والصبر لتربط على قلب زوجها.
أما عن بنان الأم فقد كانت أيضا أما استثنائية فقدظهر أثر تربيتها جليا على ابنتها الداعية هادية عطار، والتي قالت أن أمها لم تكن فقط تتكلم عن وجود الله وقدرة الله ورحمة الله، لكنها غرست فيهم حقا هذه المعاني بل حتى أنهم عاشوها معها، فقد رأوها صابرة في الضراء قبل السراء فصبروا، ورأوها فرحة بعطاء الله مهما كان قليلا ففرحوا، ورأوها تحب الله وتتوكل على الله لا على المخلوقات فاتبعوا طريقها.
وبهذا استشعر أبنائها الصلة القلبية العاطفية الحميمية بالله عز وجل مع الصلة العلمية والفكرية.
أما عن بنان الزوجة، فقد كانت ككل الزوجات تغضب من زوجها وتبكي ، لكن حتى غضبها لم يكن عاديا، فقد قال عنها زوجها أنها ورغم حساسيتها الشديدة وتأثرها بما حصل لأسرتها الصغيرة من ترحال وظلم، إلا أنها كانت قادرة على أن توفر لأسرتها لحظات متع بريئة، وتنبت أزاهيرا وسط الأحزان، وكانت تحول تلك الغرف الصغيرة التي يقطنونها والتي نعتها زوجها بالحقيرة، إلى قصور فتخلق السعادة داخل ذلك البيت.
كانت بنان عندما يحتد النقاش مع زوجها وتشعر أنه قد غضب قليلا ، لم تسمح لذلك النقاش أو الحوار أن يستمر، فتنهض وتنفرد بنفسها ساعة تقرأ القرآن بقلبها وعقلها ولسانها ودموعها ، إلى أن تهدأ، فتقوم في أحسن حال. فقد كان ارتباطها بالقرآن قويا . فهذا سرها.
كانت تقول : لا أستطيع أن أنام وعيون أخوات أخريات ساهرات، إذا كنت قادرة على أن أحمل إليهن بعض البلسم، أو أضمد لهن بعض الجراح، أو أساعدهن على بعض العزاء…
حقا قصة هذه السيدة أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة، رحمها الله رحمة واسعة وجعل لنا من قصتها عبرة وقدوة.