الزوجة المجاهدة..”بنان علي الطنطاوي”1

إن المرأة من بدايات الإسلام كانت مرافقة للرجل، إيمانا منها برسالة الإسلام وبالدعوة إلى الله عز وجل. وعلى هذا الأساس تكون قد خلدت نساء كثيرات أسماءهن في صحف التاريخ الإسلامي. نساء كن سباقات في كثير من ميادين الدعوة، زيادة على روح التنافس في الخيرات التي كن يتميزن بها.
فأول من أسلم أمنا “خديجة” رضي الله عنها، وقد كانت السند والعون والمعين للرسول صلى الله عليه وسلم في أصعب مراحل الدعوة، آمنت به وصدقته وصبرت معه.. وإن كان أول من أسلم امرأة، فأول شهيد في الإسلام امرأة أيضا وهي سيدتنا “سمية بنت خباط” والملقبة ب”أم عمار” بن ياسر رضي الله عنهما. وأيضا فإن من أوائل الدعاة إلى الإسلام امرأة تحقق بفضلها إنجاز عظيم، وهي سيدتنا “فاطمة بنت الخطاب” رضي الله عنهما، نعم إنها أخت سيدنا عمر رضي الله عنه والتي بسببها اهتدى وأسلم .
كانت المرأة ولا زالت تسير جنبا إلى جنب الرجل في دروب الدعوة ولم تتخلف أبدا. ومن بين هؤلاء النساء، داعية معاصرة، فخر لنساء الإسلام وقدوة في العطاء الصادق المخلص للدعوة. هي ” بنان علي الطنطاوي ” رحمها الله، من رائدات العمل الإسلامي المعاصر في الشام وأوربا، ولدت سنة 1943م بدمشق، هي ابنة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، الرجل العظيم الذي جمع بين الفقه والأدب، وكان لابنته الأب والأستاذ، فقد تتلمذت على يده وعلى يد رجل آخر دخل حياتها، زوجها المفكر والداعية عصام العطار. تزوجا سنة 1958م، فكانت له نعم الشريك، شريك الحياة والعمل الدعوي والكتابة، وكانت له عونا في الضراء قبل السراء، حيث منعت معه من دخول بلدهما سوريا سنة 1964م، فانتقلا للعيش كل شهر في دولة إلى أن حطوا الرحال بألمانيا وبالضبط بمدينة “آخن”.
كانت المخابرات السورية تبحث عن زوجها لاغتياله. هددوا جارتهم وأرسلوها لكي تطرق باب بيتهم، ففتحت بنان التي كانت في تلك اللحظة وحدها بالبيت، فاغتالها المجرمون برصاصات غادرة وتركوها مضرجة في دمائها لتستشهد بعد ذلك.
كان قد صدر لها كتاب تحت عنوان “دور المرأة المسلمة”. وكانت رحمها الله متقنة للغة الألمانية، الفرنسية والإنجليزية. وصفتها ابنتها الداعية “هادية عطار” بكلمات معبرة موجزة: “كانت أمي رحمها الله تعالى تكثر من قراءة القرآن، وتكثر من الدعاء، وكانت تقرأ بفهم وتدبر، وخضوع وتأثر، وكنا نراها أحيانا وهي مستغرقة في تلاوة القرآن فنرى الدموع تفيض من عينيها على خديها وصدرها”.
عندما سجن زوجها كتبت له :”لا تفكر فيَّ وفي أولادك وأهلك، ولكن فكركما عودتنا دائماً بإخوانك ودعوتك وواجبك”.. وحينما أصيب زوجها بالشلل في بروكسل كتبت له تواسيه: “لا تحزن يا عصام..إنك إن عجزت عن السير، سرت بأقدامنا..وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا..تابع طريقك الإسلامي المستقل المميز الذي شكلته وآمنت به، فنحن معك على الدوام، نأكل معكـ وإن اضطررنا ـ الخبز اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام”.
ورغم كل هذا أنشأت مركزا نسائيا للمسلمات بألمانيا وتابت على يدها الكثيرات.