وااااأسفاه على شرف أمتيǃǃǃ

كان حتى كان، في قديم الزمان، كانت العَرْجَا تْنَقًزْ الحيطان، والعَوْرَا تْخَيط الكتان، والطًرْشا تسمع الخبار فين ما كان. قالت الطرشا: سمعت حَسْ الخيلْ دَازُوا، قالت العورا: أنا حسبتهوم سبعة، قالت العرجا: تحَزْمُوا نلحقوهوه. وحين لحقناهوم لم نجد خيلا)…….. 2 لم نجد غير اثنان، الطفل الصغير عمران والوحش الضار “قيزز”؛ عيناه حمراوان يملأهما الدم، وفمه يجري لعابا سائلا متلهفا يجره في طرف الغابة، والبرعم الصغير يرتجف بين يديه خوفا ويصيح بأعلى صوته وا أمااااااااااه وا أبااااااااااااااه وااااااامنقذاه… ولكن ابتلعتهما خلوات الغابة الموحشة………
فيا أغصان الأشجار، ويا ورود الزهر وبلعمان، ويا طائر النورس والديدان. لماذا يختطف ويغتصب أطفال هذا الزمان؟ وما الذي حصل للطفل عمران؟
قالت الأغصان: ها هو استيقظ طفلنا المحبوب المدلل عمران، والسرور باد على محياه ظاهر للعيان.
قالت شقائق بلعمان: يملأه النشاط والحب يجري ويلعب فرحان، تعانقه أمه وهو ملتصق بحضنها في أمان.
قالت الديدان: فجأة مرض الأب وسترافق الأم زوجها للطبيب فكلفت الجدة بالرعاية والأمان.
أعطته الجدة بعض الطعام فغفلت عنه هنيهة فخرج عمران يتنسم الهواء في الباب، فتخطفه الوحش “قيزز” وهرب به إلى الغاب، عض عليه بأنيابه، أخرس لسانه وشل حركته، قال الطفل عمران بصوت خافت وهو يئن تحت وطأة رجلي الجلاد: أنا أخوك الأصغر وما ستقدم عليه حرام، أطلق يدي نذهب نلعب سويا ونعيش في سلام. ضحك الوحش ساخرا يرد بتهكم وازدراء: أنت اليوم صيدي وفريستي، أشبع بك نهمي، أروي بدمك عطشي، وأشفي بك غلتي، أنت اليوم فرصتي، ألبي فيك غريزتي ونزوتي. فصاح عمران وااااااااأسفاه على شرف أمتي؟ ضاع أطفالك في عز النهارǃ ضاع الأمن والأمانǃ ضاعت الأحلام وصارت أوهامǃ بكى بكاء مريرا، وتوسل توسلا شديدا، فرد عليه قائلا: ابك واصرخ كما تشاء، فأنا ضعت قبلك حين أصبحت الدنيا غاب؛ سمموا عقلي وروحي وتفشى في جسدي الوباء، فأصبحت فرسا جموحا لا يستطيع أحد كبحه ولو بسياط شوك من حديد، ولْوِلو كما تريد، فما يسري علينا سوى قانون الغاب. أنا الأقوىǃǃ هههه أنا لأقوى وأنت الضعيف، أنت اليوم هديتي التي انتظرتها من زمان. قال الطفل: يا أخي ماذا ستقول لرب السماء؟ خل سبيلي تنل جزيل العطاء، وتكتب لك الملائك اسمك في سجل التوابين السمحاء. ولكن هيهات هيهات ثم هيهات، أنشب الوحش أظفاره فاختلقت الضلوع، وافترس لحمه وروحه وبراءته ولم يبق منه سوى الشبح، أطلق فيه سمه فاخترق الوريد، وواراه الثرى حيا مخفيا أثره عن العيان، وعاد الوحش أدراجه مزهوا منتشيا. وبقي الطفل المسكين في ظلمة القبر لازال قلبه ينبض بالحياة وأي حياة بعد ممات؟؟؟؟ ستكون حياة مثخنة بالجروح والألم والمعاناة ربما تنسى بعد سنون مئات، وأي حياة؟؟؟
قالت الأغصان وبلعمان والديدان: لماذا يختطف ويغتصب أطفال هذا الزمان؟ وما الذي حصل للطفل عمران؟
قالت الأغصان: بحثت الجدة والأخوال والجيران والأصدقاء ولا أثر لعمران.
قالت شفائق بلعمان: أُرسل في طلب أمه وأخبروها بفقدان فلذة كبدها فجاءت مسرعة تشق صدرها تنتحب وتبحث في كل شبر من الأرض وفي كل مكان.
قالت الديدان: حرمت الأم النوم عن جفنيها قائلة: والله لن أذوق غمضا حتى أبشر برؤية عمران، وجاءت البوم بالخبر….. خبر شؤم وأي خبر؟؟؟…. نزل كصاعقة برق أومض في الظلماء، وتكبدت السماء با الغيوم وبكت سجلا من العطاء، علها ترحم قلب الأم المسكينة فتقاوم الصدمة التي صيرتها خرساء صماء، لم تعد تسعها رحابة أرض ولا سماء، أخذها الدوار وكأنها سقطت من أعلى مرجيحة سوداء، صاحت: واكبداااااااه، وا روحاااااااه، آآآآح على طفلي إنه برعم في النماء. حزن سكان الغابة وأمروا أطفالهم بالسبات قائلين: من الآن فصاعدا لاخروج ولا دخول، لا لعب في المروج والسهول، غلقوا الأبواب وأعلنوا الخطر ودقوا الطبول، خيم السواد والظلام وأعلن الحداد.
سمع الأسد بالخبر المدويا…. فأعلن أنه مواسيا، والوحش سيأخذ نصيبه من العذاب المصليا… ولكنǃ لكنǃ لكنǃ بقي الفساد مستشريا………
بكت الأغصان وزهور بلعمان والنورس والديدان وقالوا جميعا: عمران ابننا وقيزز أيضا ابننا…. عمران ابننا وقيزز أيضا ابننا… غدرهما من باعوا الأوطان واستشرى فيها ظلم من خان…نشروا الاستبداد في كل مكان، اغتصبت الرضيعة والطفلة والشابة والأم والجدة والطفل والشبان ووو وقبلهم أمنا الحبيبة فلسطين؛ فلسطين الجريحة الصابرة المحتسبة، تكالب عليها الصهاينة والحلفاء، وخذلها إخوتها والأصدقاء…. عمران ابننا وقيزز أيضا ابننا… أرجعوا لنا العز والأمان، وبدلوا الغابة جنة واعتقوا كل رقيق مهان، وعُوجٌوا عن غيكم تشرق الدنيا وتصفو الغدران، وينبت من جديد النوار وتزهر شقائق النعمان.
غنت الحمام وكأنها قيان: يا تجار السلام، أما آن الأوان لتطبيق شريعة العزيز الديان ، واتباع سنة الرحمة المهداة نور الأكوان، وتسمعوا لأنين فقيركم الجوعان، وتزيلوا الظلم عن شعبكم المهان، وتنشروا الفضيلة والأخلاق الحسان.
أما آآآن الأوان أماآآآآآآآآآآآآآآآآآآآن؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أحمد بوزفور: الغابر الظاهر. نشر الفنك-الدار البيضاء/ 1987.ص: 59[1]
[2] أحمد بوزفور: الغابر الظاهر. نشر الفنك-الدار البيضاء/ 1987.ص: 59.