سحابة صيف

عرفت جماعة العدل والإحسان في تاريخها هجمات شرسة من طرف السلطات، تتنوع أشكالها وتصريفاتها من أجل إفقادها مصداقيتها وحرمانها من مجالسها ومنعها من التواصل مع أبناء الشعب المغربي الحبيب، معتمدة في ذلك وسائل متنوعة لترهيب أعضائها والمتعاطفين معها، فمن تشميع البيوت وطرد ساكنتها إلى اقتحام مجالس النصيحة واعتقال روادها إلى نهب الممتلكات وتكسيرها و سلب الحقوق وهضمها، إلى كيل الاتهامات الباطلة… والقائمة طويلة.
السلطات تحاول جاهدة تبرير تصرفاتها اللاقانونية وإضفاء المصداقية عليها، والإعلام يحاول من جهته تفسير ماحدث وتحليليه على ضوء الظروف السياسية التي يعيشها بلدنا الحبيب، أما ذاك المأجور فلا حديث معه.
وإن تنوعت القراءات وتعددت التفسيرات والتبريرات واختلفت معها ردود الأفعال، فإن لأهل العدل والإحسان معالم كبرى توجه أفعالهم وتسيج مواقفهم .
اليقين والإيمان
إننا على يقين أن ما يجرى قدر من الله عز وجل، قدر لجماعتنا أن تعيش هذه المحن المنح من أجل التأكيد على مصداقيتها وإعطاء برهان صدقها. وكذلك هي بمثابة دليل قوي على نهجها لسنة النبي صلى الله عليه وسلم والسير على خطاه الشريفة. أين نحن من الابتلاءات التي عاشها السلف الصالح ليحفظوا دينهم؟ وأين نحن من ألوان العذاب التي خطت على أجسادهم الشريفة سطور الصبر والتحمل. يقول الله تعالى في محكم كتابه: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما 8 .
ما يجري بزيدنا يقينا في موعود الله وبشارة رسوله صلى الله عليه وسلم. لا يحزننا لأنه عنوان الفتح القريب والنصر الأكيد. نعم فتح قريب سوف تنعم به بلادنا وسائر الأمة المحمدية، فتح سيطال العقول لتتحرر من جمودها وتلج عالم التفكر والتدبر المقرون بطلب وجه الله. ستتحرر من خمولها لتغير ما بحالها، لتصبح حرة لا تابعة، منتجة لامستهلكة. فتح سيطال كذلك القلوب لتضاء بنور الله وتستيقظ من سباتها لتتذوق الإيمان الحقيقي الذي يحيى بحب الله ورسوله ونصر أكيد لكلمة الحق على قول الباطل ونور العدل على ظلمة الجور.
يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله: شرط النجاح الإيمان والعمل الصالح. الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والعمل الصالح يطلب خصلتين: واحدة لتثبت الخطى على الطريق بثقة وعزم، والأخرى لئلا يتسرب اليأس إلى النفوس إن عاقت العوائق وطالت المسافة) 9 .
الصبر والثبات
الصبر قوة تحمل في طياتها معنى تحمل الأذى ومطاولة الشدائد وتدليل الصعاب، وهو صفة من صفات الرجال والنساء من أهل الإيمان والإحسان والكمال. أمر به الله عزوجل رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: واصبر وما صبرك إلا بالله. ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون 10 .
الصبر عدة المجاهدين لأنه يقربهم من الله عز وجل، ويرتقي بهم في درجات الدنيا والآخرة. كما أن اصطبار النفس مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ينبوع فياض بالإيمان والإحسان لمن أراد يقظة قلبه واستنهاض همته.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: الصبر على البلاء، وعلى البلاء مبنى الحياة والموت والمسيرة في الدنيا، والثبات في مواطن الخطر، وتحمل الأذى في سبيل الله عنوان الرشد والعزيمة، وشرط الفلاح والنجاح والنصر) 11 .
إذن الصبر شرط أساسي لتغيير ما بحال الأمة، به لابغيره يمكننا مواصلة مسيرة الدعوة التي تقود عامة المسلمين وخاصتهم بتؤدة ورفق، والتي تحملنا على الصبر وتحمل أعباء البناء المتجلية في بذل الجهد دائما.
ولنا في رسول الله أفضل قدوة حيث كان صلى الله عليه وسلم دائم سؤال الله عز وجل الثبات في الدنيا والآخرة فيقول: “اللهم إني اسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد” 12 . فالثبات على الطريق والصبر على الابتلاء من الخصال التي ترقى بصاحبها الدرجات العليا، وترفع قدره وتمكنه في الدنيا والآخرة، ويكفينا في هذا الأمر ما قاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مبينا رفعة هذا القدر: “أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل” 13 .
لا للعنف نعم لرحمة
خيم على العقل الإسلامي منذ الانكسار التاريخي فقه القطيعة الذي يصنف العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب، ساعد في تبلوره سياسة الحكم بالسيف وتطاحن الإمارات. كما ظهر في عصرنا فقه الهجرة والتكفير الذي قسم العالم إلى مجتمعات إسلامية وأخرى جاهلية.
لهذا ينبغي أن تحرر العقول من هذا الفقه ليحل محله نهج النبي صلى الله عليه وسلم المبني على المرونة والتدرج والرحمة بخلق الله.
فقهنا الذي أسس على قواعد التبليغ النبوي يصنف العالم إلى: “أمة استجابة هم المسلمون اليوم، وأمة دعوة هم سائر الناس والأجناس”. عالم إسلامي تمكنت منه خيوط الفتنة، فتاه عن هويته وغفل عن دينه، وعالم كافر سيطر عليه جنون السلطة والقوة، ولاخبر لله ولا للآخرة في قاموسه. عهدنا مع هؤلاء وهؤلاء الدعاء لهم والرجاء أن يهدي ربنا رجلا واحدا منهم أو امرأة.
قضيتنا قضية مصيرية مرتبطة بخلاص الأمة والفرد معا. بنجاة الفرد من سلطان الهوى ورواسب الجهل تنجو الأمة من محنتها التاريخية. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: ندعوكم أن تدخلوا معنا الميدان على شرطنا وهو شرط الإسلام. هذه هي الوسيلة الوحيدة للتفاهم، حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله. حتى لايزور هاجس العنف ربوعنا. والعنف باسط جناحيه في أفق الفشل الذريع الذي جره على الأمة تنازعكم مابين لبراليين وقوميين يساريين اشتراكيين وحدويين. ولانحب العنف ولا نقول به. ونعوذ بالله العلي العظيم من خصلة العنف وهي ملمح من ملامح الجاهلية ولازمة من لوازمها، ومعنى من معانيها) 14 .
سحابة صيف
طال الزمن أو قصر سينجلي الليل ويبزغ فجر جديد. ستذوب الفتنة ويستقر مكانها الإسلام الحقيقي، سينقرض الظلم ويحل محله العدل، سيندثر العنف وتشع بدله الرحمة، سيموت هوى النفس ويحيى إيمان القلوب. نعم سيتغير الكون ونسعد جميعا بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “لايلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع. فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لايعرف غيره. ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله، حتى يولد في العدل من لايعرف غيره”.
[2] كتاب العدل ص:518.
[3] سورة النحل127.
[4] الإحسان ص:290.
[5] رواه الترمذي والنسائي عن شداد بن أوس.
[6] رواه الترمذي.
[7] العدل ص:628 .
[8] سورة الأحزاب23/24.
[9] كتاب العدل ص:518.
[10] سورة النحل127.
[11] الإحسان ص:290.
[12] رواه الترمذي والنسائي عن شداد بن أوس.
[13] رواه الترمذي.
[14] العدل ص:628 .