لُقيا..الأحبة…

عندما ترغب في الحديث عمن لا تقدر الكلمات أن تستوعب كمالاته، فيتردد القلم خشية ألا يحسن الخط ويتوقف الحبر مخافة ألا يحسن التصوير.
عندما تعتلج الحلق عقدا لا يقوى على حلها الرثاء.
عندما يحجم اللسان ويتوقف عن النطق.
عندما تنهمر العبرات غزارا، ولا تريد أن تتوقف.
حينما تتوالى الذكريات تباعا تذكرك بمن تحب بلا حد ولا شرط ولا عد.
حينما تتذكر أول لقاء وآخر لقاء وما بينهما من اللقاءات، فتجدها متشابهة كأنها التوائم الصنو التي لا تستطيع الفراق، كيف لا وجميعها طابعها الأصيل الدعوة والذكر والتواصي بالخير والوفاق والوفاء.
حينما ينزل عليك الخبر صاعقة يلطفها الله المقدر برحمته فتحتسب وتسترجع ولا تملك من قدر الله الفرار.
حينما تتذكر فلذات الأكباد، ووجع العشق وأنين الفراق.
حينما تتوالى عليك صور الوجه الصبيح ونبرات الكلام المليح وجمالية الخلق الرفيع ، فتهفو وتحِن.
حينما تتلاطم أمواج الأحزان من كل جانب، فتجد نفسك كسير الجناح، كسير الخاطر، تبحث عن ملجإ ولا ملجأ إلا الحنان الرحيم.
حينما تتلقى الخبر، فتتساءل إن كان صِدقا، فتصرف وجهك يمينا وشمالا من شدة الانبهار، فتزداد يقينا ألا ملجأ من الله إلا إليه، فتسترجع حتى لا يفوتك أجر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.
حينئذ تعلم أن الله قد ابتلاك بمصيبة الموت التي لا ندري متى تنزل؟ وعلى من تنزل؟
وموت من؟ الحسيبة النسيبة الحبيبة الأريبة الكريمة اللبيبة، الذاكرة الأواهة الحليمة… من استكملت الخير طُرا، أصلا وفرعا، من عشقت الله منذ الصبا واختارت سبيل معرفته، وسلكت طريق قربه.
من عملت في صمت وبنت مع رفيق دربها رحمهما الله أمة من الناس دلاها على الله.
نِعمت المرأة كانت، ونعمت الزوج والأم المربية، لا نزكيها على الله الشاهد سبحانه، لو كان في ميزان حسناتها خدمة الدعوة وصاحبها لكفى، فكيف وقد اجتمعت فيها المكارم، أحبت الخلق بلا حدود، ورفقت بالضعفاء ورأفت بلا انتظار للجزاء، وأقرت الضيوف بكرم، وأعانت على نوائب الحق، وحملت الكل، ووصلت الرحم بلا انقطاع، وعرفت الله بلا فتور، وحرصت على استكمال حفظ كتابه، وفعل الخيرات، ومات الإمام رحمه الله وهو عنها راض راض راض.
طبت سيدتي باللقاء، لقاء مولاك، ولقاء الأحبة.
رفع الله بما عودنا من حسن خيرته وجزيل عطائه قدركِ، وخلد في الصالحين ذكرك، يا أيتها الأم الغالية، ورحمنا بعدك.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.