عبد السلام ياسين الراحل المقيم

قال تعالى: وَللآخِرَةُ خَيْرٌ لكَ مِنَ الأولى وَلسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، ألَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأغْنَى. 7
ـ ما يطمع المؤمن من حياة اليتم والهداية من الضلال والتيه ووحشة الطريق والغنى من كل فقر سوى أن يجد الآخرة تنتظره وهو في عشق تام لها، ويزداد عشق العاشق إن كان المعشوق أكبر من أن يتصور أو يتجلى، وأعظم من تعابير القلم واللسان، إن كانت حويصلة القلب لا تتسع لمعاني عشق المعشوق وتمنيات اللحاق به، فكيف بباقي الجوارح وهي وصيفات القلب وتحت سلطانه. والذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً للهِ. 8
ـ اليتم والضلال والفقر قواسم للظهر ومهلكات في الطريق، وأصعبها إن كان اليتم في القلب والضلال في الفكر، والفقر في العمل. هذا ما يتحدث عنه القرآن.
دعنا من يتم الأب والأم، وضلال في الطريق وفاقة في المال، فمن شأن اليتيم أن يشب ويكبر، ومصير الضال التائه أن يرشد إلى الطريق، والفقير أن يكسب المال، ولكن كيف بيتيم في التوجيه والنصح والتربية والعناية والحفظ.
عندما ترتفع عناية الله وحفظه عن العبد فإنه في يتم وانقطاع. واصْبِرْ لحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأعْيُنِنَ. 9
الصلة صلات، وأعظم الصلة هي التي تربطك بالله تعالى لتتجاوز مرحلة اليتم الروحي الإيماني. { الرَّحْمَنُ فاسْألْ بِهِ خَبِيراً}. خبير يسلك بك إلى الله تعالى ويغذي قلبك اليتيم نصحاً وإرشاداً وتربية وسلوكاً.
ـ سمَّى القرآن قوماً بالضالين رغم ما عندهم من برامج ومشاريع ومخططات ودراسات مستقبلية وتوقعات محتملة لما سيحدث، ولكنهم ضالين في الروح والقلب، لا يدرون ما الكتاب ولا الإيمان، وتجدهم في كل واد يهيمون.
ـ مهما كنز فلان من مال يظل إلى المولى عز وجل فقيراً لأن الغنى هو غنى القلب، ويغنى القلب بالعمل وما نبث فيه من إيمان وإحسان وما نترقى به في درجات القرب من الله ومحبته سبحانه وتعالى. يأيها النَّاسُ أنْتُمُ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ وَاللهُ هُو الغَنِيُّ الحَمِيد. 10
ـ آخرة المرء خير من دنياه، والطامة أن يجهل الإنسان آخرته ولا يدري ما أعدَّ الله له فيها من رضى ورضوان، وزلفى وقرب من الواحد الديان.
وتأسر الدنيا قلب العاشق لمولاه وتسجنه فيها فيمضي أيامه وهو يترقب الآخرة ويرجو رحمة ربه، مقلباً آناء الليل وأطراف النهار وجهه في السماء، اللهم الرفيق الأعلى، أو كما قال سيدي عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: “إني اشتقت إلى ربي”. وقال في مجلس آخر: ” إن عمر الإنسان لا يقاس بالدقائق والأيام، ولكن يقاس باشتياق العبد إلى ربه وأنا اشتقت إلى ربِّي”.
وأحياناً يمتزج الشوق بنغمات الذكر وترانيم اللسان كما اشتاق بلال بن رباح رضي الله عنه فخاطب زوجته منشداً ورد عليها لما قالت واكرباه، فقال لا تقولي واكرباه بل قولي واطرباه اليوم ألقى الأحبة محمداً وصحبه.
ـ هي صحبة لا تعوض بملئ الأرض ذهباً، لذا كانت الصحبة أغلى كنز وأبلغ وصية وأسمى علاقة بين الموصول والصلة، وتبقى خالدة متنقلة جيلا عبر جيل مادام الأصل والجوهر موجود. قال تعالى: لو أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مَا ألَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ الله ألَّفَ بَيْنَهُم. 11
ـ وحسبك أيها الراحل المقيم أن يجمعك الله مع من أحببت ولمن اشتقت إليهم لتكون في جوارهم جواراً لصيقاً وضيفاً عزيزاً مقيماً.
وحسبنا أن ترانا على العهد قائمون، وفي الذكر مستمرون، وبالصحبة ملتزمون، وبمنهاج النبي صلى الله عليه وسلم عاملون، وللظلم رافضون، ولموعود الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم مستبشرون.
وسيتحدث الزمان عنك لما تحدثت به من نعم الله تعالى.
“رحم الله عبداً لله وأمة لله دعا الله بقلب خاشع لمن انقطع عمله إلا من الثلاث المرجوة. عسى الله أن يلحقنا فضل دعائكم جزاكم الله خيراً…”
وأن يتذكر متذكر خلاصة ما إليه دعونا لما كنا من سكان أرض الدنيا عابرين إلى دار البقاء. وصية ليتذكر متذكر ويدعوَ داع فتلتئم أواصر الصلة ويتحقق التزاور في الله والتحاب في الله عبر الأزمان. لا تحبس الصلة برازخ الموت”. 12