خطاب الأستاذة ندية ياسين مع الغرب 1

قبل البدء
إن بحث موضوع الحركة الإسلامية و مشروعها يفرض على الباحث التزاما أدبيا، وأمانة علمية، مع امتلاك رؤية واقعية عميقة لفهم هذه الظاهرة، خصوصا وأن العديد من الكتابات و التحليلات التي تطرقت لهذا الموضوع، كانت لها سقطات مدوية عصفت بروح البحث العلمي، وانتهت به بعيدا عن الموضوعية، حيث ناقشت مواضيع عديدة إلا بحثها الأساس، الحركة الإسلامية، ولعل العذر يمكن أن يلتمس لهذه الأقلام، فالواقع لا يرتفع، فالخصومة السياسية والعداء الإيديولوجي انتقل داؤهما للمثقف والأكاديمي، فأمسى العقل الباحث لا يتحمل خطابا أو أفكارا تخالفه الرأي، أو أنه ركن إلى نظريات تحنطت و طالتها ترسبات السنين، فأضحى لا يرى تسارع الأحداث وتداول السنين و الأيام .
خصوصا ونحن أمام ظاهرة شعبية وجماهيرية، وجدت في مشروع الحركة الإسلامية بديلا و خلاصا تلقفته بقوة، بعدما رزحت ردحا من الزمن وما زالت، تحت قيود الاستبداد الذي طال السلطة السياسية واستأثر بمقدرات الاقتصاد لنفسه، و من دار في فلكه من النخب والأقلام المنظرة له.
هذه الزاوية من الرؤية والبحث، تحتاج إلى العمل بقوة و جرأة و إصرار لتصحيح المسار، حتى يعود للباحث المصداقية، باعتباره شاهدا بالقسط، و مؤرخا ينقل الحقيقة، و يتقاسم مع من يهمه الأمر، وكذا العامل في الميدان، خلاصاته و تحليلاته و تقييماته، فيكون الجميع مشاركا في جهد و جهاد البناء، مادام ريع ذلك كله يعود على المصلحة العليا للأمة.
انطلاقا مما تقدم، تأتي لبنات هذا المقال، محاولة لرصد مشروع الحركة الإسلامية، إسهاماتها، اقتراحاتها لهذا الواقع، بغية رفع ثقل تركة ناءت الأمة بعبئها عقودا طويلة من الزمن. فلا يمكن تصحيح المسار، أو إعادة بناء ما انهدم، إن لم تتبصر الحركة الإسلامية بعقبات الطريق، مع الإفادة من إخفاقاتها هنا و هناك، و ابتلاءاتها هنا و هناك، و إمكاناتها هنا و هناك.
ولعل من جملة الأسئلة التي طرحت وما تزال تطرح بإلحاح على الحركة الإسلامية موقفها الواضح من قضية المرأة، ثم تحدي انفتاحها على الآخر، ونقصد هنا قضية الإسلاميين والغرب.
فهل استفادت أو تستفيد اليوم الحركة الإسلامية من كل إمكاناتها ؟ هل بلورت ما تبشر به الإنسانية من رحمة وحسن جوار، خطابا يحكمه منطق الدعوة لا منطق الساحة ؟
ما موقع المرأة في مشروعها الدعوي و السياسي و رؤيتها التغييرية ؟، هل أنصفت المرأة في بيتها الداخلي قبل المناداة برفع الحيف عنها في خطاباتها الخارجية ؟
إن تقييما ذاتيا سريعا مرتبط بموضوع بحثنا، يجعلنا نتساءل عن دور المرأة داخل الحركة الإسلامية، هل لها دور إلى جانب أخيها الرجل في جهاد البناء، هل وضعت فيها الثقة لتضطلع بأدوار قيادية داخل البناء التنظيمي، و مواطن صناعة القرار داخل الحركة الإسلامية ؟
قد يكون الجواب عاطفيا و سريعا بالإيجاب، لكن المقصود بتقييمنا و أسئلتنا، كم من القيادات النسائية ذات الإشعاع و التأثير تمتلك أو برزتها الحركات الإسلامية، فقد نكاد لا نرى أو نسمع عن أسماء نسائية قيادية لدى حركات عريقة إلا نفس الوجوه الرجالية التي تتكرر – مع أننا نقدر جهدها والظروف الاستثنائية التي تعمل فيها-، لكن هذا الدفع لن يصمد أمام قوة التحديات التي تواجهها الحركة الإسلامية ، فهي مطالبة بتوظيف و استثمار جميع إمكاناتها دون الالتفات لإكراهات العمل، فليست هناك طريق معبدة سالكة أمام دعاة التغيير و الإصلاح بالضرورة، و لن تسلك السفينة بين أمواج البحر الهادر، إلا بمعرفة ربانها و حكمته في استثمار الرياح الطيبة لصالحه، فترسو على بر الأمان مطمئنة بإذن ربها.
لقد كان لمدرسة العدل و الإحسان يد بيضاء على الحركة الإسلامية لما عالجت قضية المرأة عموما، وبناتها خصوصا، حيث أفردت لها حظا وافرا، و نصيبا مفروضا، و مساحة تليق بها في منهاجها وفكرها، توج جهدها في كتاب ” تنوير المؤمنات ” وهو مجلد في جزأين ، يعرض قضية المرأة بجميع تشعباتها و خصوصياتها، ويدعو لتكون المرأة المتلقية للأحكام بنت الحركة الإسلامية، في نفس الخندق الجهادي و التدافعي مع أخيها الرجل، و بالتالي تحتاج لتمتحي من نفس المعين، و تحظى بنفس القدر من الاهتمام و التقدير و الثقة.
هذا يدفعنا لدراسة تجربة نفيسة لامرأة من نساء العدل و الإحسان، كان لها نصيب مقدر من الجهد والبناء، وسابقة في التأسيس للعمل النسائي داخل جماعة العدل و الإحسان بالمغرب الأقصى، كما لها جولات طويلة، حوارية، و تعريفية بالإسلام ورؤيته للمرأة، فضلا عن كتابات مهمة تخص عمل الحركة الإسلامية و رؤيتها و فهمها للإسلام، و محاولة تصحيح نظرة الغرب له، في كثير من القضايا مثار الجدل .
إن اختيار هذا البحث للأستاذة ندية ياسين من أجل دراسة خطابها و تحليله، باعتباره أنموذجا معتبرا، يفيد في رصد دور المرأة داخل الحركة الإسلامية، لم يأت بمحض الصدفة، ولا تحيزا لكونها امرأة، لكن، وبكل حياد وموضوعية، وبعد تتبع دقيق لمسيرتها التواصلية مع العديد من المفكرين والأكاديميين الغربيين، بدى لنا أنه من المفيد التوقف عند هذا الخطاب، بحثا وتأملا هادئا، بعيدا عن ضجيج اللغط السياسي، الذي يجعلنا من دون وعي منا، حبيسي أحكام جاهزة ، تركت اللب والتفتت للقشور .
إنها دعوة صادقة للتفكير بحرية، بعيدا عن الأفكار المسبقة، والتقييمات المبسطة، وردود الأفعال الظرفية، وفقا لضوابط الأمانة العلمية، والتي لا تعني بالضرورة موافقتها ومطابقتها في كل المضامين التي يحملها خطابها، لكنها في كل الأحوال، إنصاف للفكرة والمفكرة، واحتفاء بنموذج المثقف صاحب القضية والمشروع، فقد درجت العادة على اعتبار المثقف مستقيلا من هم السياسة، مكتفيا بالنظر من الأعالي لهموم الناس ومآسيهم، أو مرتكنا في حضن الأقوى الغالب، ومبررا لممارساته و مشرعنا لسلوكاتها.
إن دراسة وتحليل أي خطاب يستدعي بداية تحديد وتعريف عناصره، من مُخاطَب ومخاطب،
فكيف تنظر الأستاذة ندية ياسين إلى هذا الغرب المخاطب ؟ ومن هي المخاطبة نفسها ؟