حاميها حراميها

14 غشت 2013م
يوم الهجوم على ميدان رابعة العدوية
نصب نفسه جزارا يقطع أكباد الأمة ويفتتها تفتيتا ليطعم بها كلاب بني صهيون الضالة ويرميها لقمة سائغة فوق موائد اللئام من الصامتين الشاهدين على ما يجري ويدور، لكن هذه المرة وهو يلبس لباس الحماة المغاوير الذين يذوذون عن الأوطان والملة والدين.
وقف إلى الجانب الآخر ذلك الفلسطيني المغوار يشجب فعل الجيش المصري العرمرم تحت قيادته الخائبة لا يدري أيهنأ أم يعزي في آلاف الشهداء الذين حققوا أمنياتهم في الالتحاق بركب الذين أنعم الله عليهم من الأحياء الذين هم عند ربهم يرزقون. بح صوته، وترددت كلماته فيه من هول صدمة المجزرة لكنه أعلنها صريحة واضحة: “ما فعله بنا العدو الصهيوني الغاشم أهون مما يقوم به ابن جلدتكم السيسي في شعب مصر العظيم”
سقطت الأقنعة عن الكثير من المنابر والمؤسسات والأحزاب والدول، ووقف عدد منها وقفة الكذاب الأشر، يغير حقائق تاريخ لا يمكن أن يتغير ما دامت مكتوبة بدماء الشرفاء والشهداء، صورت الانتفاضة الحاصلة في مصر تصويرا يلائم المخيلات المريضة الشوهاء وتنطبق على مخططات السيد الأعظم وتباركه بني صهيون في القضاء على شوكة كل من قد يرفع الصوت عاليا ويفسد عليها أمانيها وحلمها في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير.
صورها حربا على الإرهاب لا انتفاضة واعتصامات لاسترجاع الشرعية والكرامة.
أثارني صوت قادم من غائر أرياف مصر حينما عبر عنها بقوة عربية شامخة وعز لم تلوثه مذلة الانبطاح: كيف نقف طوابير بنسائنا وشبابنا من أجل ان ندلي بأصواتنا في الانتخابات التشريعية ثم يضرب بكل جهودنا عرض الحائط؟ إنها معركة كرامة أن نكون أو أن لا نكون ودون كرامتنا الدماء، وإن سالت أودية في ميادين رابعة والعباسية والجيزة وغيرها.
عن الديمقراطية يتحدثون، وعن رونقها يدافعون كما يدعون، تلك الديمقراطية التي يشترط عليها – حتى تكون ديمقراطية–ألا تعلي سهم مسلم ولا ترفع حرا على كرسي الرئاسة أو البرلمان، ولا ضير أن تنقلب على الدستور والشرعية ومجلس الشورى المنتخب ديمقراطيا حتى تكون ديمقراطية.
شاهت الوجوه منذ انقلبت المفاهيم وجعلوها مطاطة تستوعب تصوراتهم المجحفة ولا تقبل بمن تخالفهم الرأي أو يطمع في حماية الوطن وخدمته والدفاع عنه بحق.
شاهت الوجوه، حين استصغروا عقولنا وصوروا ميدان رابعة بعد الهجوم مخبئا لأسلحة المتطرفين. كيف لم يستعملوها دفاعا عن أرواحهم وقضيتهم؟ أم أنهم ادخروها لتصورها كاميرات العسكر بعد الهجوم على مؤسسات مسيحية ليوهموا أنها الحرب المجنونة الماكرة ضد الإنسانية.
يسير عليهم وهم الحماة، الذين لم يطلقوا خرطوشا واحدا في اتجاه أعداء الأمة الحقيقيين، أن يوجهوا معداتهم الصدئة نحو صدور نساء وشباب وشيوخ وأطفال الأمة الذين أبوا الانصياع والركوع، عافوا الخنوع والخضوع وأرادوا بعزة أن يحيوا، وأبوا أن يشربوا بذل ماء الحياة.
تقف كالعادة الحكومات والمنظمات الدولية إلا القلة منها صامتة خائفة متربصة، تنتظر إلى من ستميل الكفة من أجل ان ترسل نداءها الشاجب أو المهنئ.
أليس من المفروض أن الشرطة والجيش في خدمة الشعب ولحماية الوطن؟ ألا من أوبة لنصرة الحق والشرعية، هلا توقفت عن القتل البشع وانضمت لتغليب الحق على القوة.
عقيدة بوليسية فاسدة نخرت جهاز الأمن، تدمير واغتصاب وانتهاك للأعراض، هلا تراجع عنها الشرفاء الأحرار الذين لا تزال بذور الخير والاستقامة في قلوبهم.
إنها ليست مباراة قدم بين الأهلي والزمالك فيتفرق الشعب بين مؤيد لهذا أو لذاك، إنها قضية دماء إنسانية تراق لا يمكن إلا أن يسألوا عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
للأسف ذهب مبارك ثم سيعيدوه، لكنه ترك أذنابه وأتباعه ومنظومة فكرية متفرعنة لا تؤمن إلا بالخلود على كراسى البطش والاستنزاف وتعيش الهوان والبذخ وتشجع على الترف والفساد وتحرض على سحق الشعب وتدمير إرادته. فهلا يعتبرون؟
إن أهم مقومات الديمقراطية الاحتفاظ بحق الشعب الطبيعي في المعارضة، لأنه ببساطة حق جبلي إنساني يسمو على كل القوانين والدساتير، وأن نضمن له حقه في اختيار من يسوسه لا أن نفرضه عليه بقوة العسكر المحليين والمستوردين فتصدق عليهم قول القائل: “حاميها حراميها”.